كانا جديرين بأن يفسر كل منهما تفسيرا حسن الوضع ، صحيح الاسلوب ، يقرب من أذهان العامة ولا تتجافى عنه عقول الخاصة فيقتصر فيه من القول على ما يكشف الغموض عن الآيات من جهة اللغة والاعراب ، ثم يشرح فيه المعنى المتبادر شرحا وسطا مجردا عن التنطع بالمشاغبات وايراد الخلافات والخرافات.
وقد وضع مولانا الاستاذ الشيخ محمد عبده رحمهالله تفسيرا لجزء « عم توخى فيه هذا النمط والاسلوب ، فجاء من خير الكتب وفاء بالغرض ، واصابة لمواضع الحاجة ، فلا غرو اذا تناولته الالسنة بالثناء وتلقته القلوب بالقبول.
وقد رغب الى بعض الفضلاء فى أثناء اقامتى بمصر بين سنتى ١٣٢٣ ، ١٣٢٧ ه ( ١٩٠٥ ـ ١٩٠٨ م ) أن أضع تفسيرا الجزء « تبارك » أتوخى فيه طريقة استاذنا الجليل فيما علقه على جزء « عم » من جهتى الصحة فى التعبير ، والاقتصار على المفيد من القول ، فقلت له : بلغنى أن الاستاذ رحمهالله قد فسر جزء « تبارك » وهو ما زال فى تساويد مبعثرة محفوظة عند صديقة المرحوم « حسن باشا عاصم ».
وبعد البحث عن تلك التساويد ، علمنا أن الاستاذ لم يشرع فى تفسير جزء « تبارك » بالفعل وإنما كان هيأ صحائف بيضاء رقم فى رءوسها آيات ذلك الجزء ، وتركها غفلا من الكتابة على أمل أن ـ يصطحبها معه فى بعض اسفاره ، ويملأها تفسيرا وتعليقا ، كما كان من أمره فى تفسير وتعليقا ، كما كان من أمره فى تفسير جزء « عم » الذى ألفه فى غضون سفره الى البلاد المغربية ، لكنه اخترمته منيته قبل أن تتحقق أمنيته.
ثم كان ذلك الصديق الفاضل كلما زارنى أو صادفنى سألنى عن التفسير وألحّ على بالشروع فيه ، فكنت أعتذر اليه بنقص الكفاية ، وصعوبة الامر ، وفقد الاداة اللازمة لسلوك هذا الطريق الوعر ، ولا سيما أن تفسيرى لجزء « تبارك » لا ينظر اليه الناظرون لذاته ، من حيث نسبته الى صاحبه ، وانما تنعمد فيه