اذا ثبت أن القرآن وحى من الله ، لم يتقوله محمد صلىاللهعليهوسلم على ربه ـ كان هذا القرآن تذكرة وعظة ينتفع بها المتقون.
فضمير « وانه » يرجع الى القرآن الذى ان لم يتقدم له ذكر صريح ، فقد تقدم ما يعينه ويومئ اليه ، فان قوله تعالى :
( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) لم يرد به الا القرآن الذى كان يزعم المشركون أنه أقاويل وأساطير ، والله نفى ذلك واحتج على كذبهم وصدق القرآن.
وقوله « للمتقين » يريد بهم أولئك الذين صفت نفوسهم عن كدورات الاوهام ، وخلصت من شوائب الجمود والتقليد ، ومالت بفطرتها الى قبول الحق ، والاذعان له تنفى بذلك سخط خالقها ، وتحذر عقابه ، أمثال هؤلاء هم الذين استعدت نفوسهم لقبول القرآن والاستهداء به ، أما أولئك المكذبون الجامدون على ما ورثوه من آبائهم ، فان الله توعدهم بقوله :
( وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ )
وليس المراد به افادة أنه تعالى يعلم بالمكذبين فقط ، بل المراد أنه تعالى محيط بهم ، راصد لهم ، غير تارك عقابهم ، فاستعمال العلم بهذا المعنى كاستعمال المعرفة ، يقال : « أنا أعرف المحسن منكم والمسيء « أى لا يخفى على ذلك منكم ولا أغفل عن مقابلة كل بما يستحقه ، ومنه قول ابن الفارض :
« روحى فداك عرفت أم لم تعرف » أى كافيتني بالحسنى أم لم تكافنى.
فهؤلاء المكذبون الذين يعلم الله ، وهو من ورائهم ، كيف يكون حالهم فى مستقبل الايام فى الدنيا ، اذا أظهر الله نبيه ، ونصر حزبه ، وفى الآخرة اذا أزيح الستار وبطلت الاعذار؟ لا جرم أن تكذيبهم سيكون عليهم حسرة ، وهذا معنى قوله تعالى :
« وانه لحسرة على الكافرين » فضمير « انه » يرجع الى التكذيب المفهوم