العالم بعلمي خالفت بين خلقهم وبمشيئتي يمضي فيهم أمري وإلى تدبيري وتقديري صائرون لا تبديل لخلقي إنما خلقت الجن والإنس لِيَعْبُدُونِ وخلقت الجنة لمن أطاعني وعبدني منهم واتبع رسلي ولا أبالي وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني
______________________________________________________
إلى غير ذلك من الحكم والمصالح.
« بعلمي خالفت بين خلقهم » إذ علمت أن في مخالفة خلقتهم صلاحهم وبقاء نوعهم « وبمشيتي » أي إرادتي التابعة لحكمتي « يمضي فيهم أمري » أي الأمر التكويني أو التكليفي أو الأعم « لا تبديل لخلقي » أي لتقديري ، أو لما قررت فيهم من القابليات والاستعدادات ، وقيل : أي من حسنت أحواله في ذلك الوقت حسنت أحواله في الدنيا ، ومن حسنت أحواله في الدنيا حسنت أحواله في الآخرة ، ومن قبحت أحواله في ذلك الوقت قبحت أحواله في الموطنين الآخرين لا يتبدل هؤلاء إلى هؤلاء ولا هؤلاء إلى هؤلاء.
أقول : وسيأتي الكلام في تفسير قوله تعالى : « لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » (١) وكان هذا إشارة إليه « إنما خلقت الجن والإنس ليعبدون » إشارة إلى قوله تعالى : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » (٢) وأورد على ظاهر الآية أن بعض الجن والإنس لا يعبدون أصلا إما لكفر أو جنون أو موت قبل البلوغ أو نحو ذلك ، وعدم ترتب العلة الغائية على فعل الحكيم ممتنع ، وأجيب بوجوه أربعة :
الأول : أنه أراد سبحانه بالجن والإنس الذين بلغوا حد التكليف قبل الممات والتعليل المفهوم من اللام أعم من العلة الغائية ، كما روى الصدوق في التوحيد عن أبي الحسن الأول عليهالسلام أنه قال معنى قول النبي صلىاللهعليهوآله : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه ، وذلك قوله عز وجل : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » فيسر كلاما لما خلق له ، فالويل لمن استحب العمى على الهدى.
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠.
(٢) سورة الذاريات : ٥٩.