ولم يتبع رسلي ولا أبالي وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم وإنما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم « أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » في دار الدنيا في حياتكم
______________________________________________________
الثاني : أنه إن سلمنا أن المراد بالجن والإنس ما هو أعم من المكلفين وأن اللام للعلة الغائية ، لا نسلم العموم في ضمير الجمع في قوله : ليعبدون ، إذ لعل المراد عبادة بعض الجن والإنس.
الثالث : إن سلمنا عموم ضمير يعبدون أيضا فلا نسلم رجوع الضمير إلى الجن والإنس إذ يمكن عوده إلى المؤمنين المذكورين قبل هذه الآية في قوله تعالى : « وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » فتدل على أن خلق غير المؤمنين لأجل المؤمنين كما يومئ إليه قوله عليهالسلام في هذا الخبر : وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدوني ولذلك خلقتهم « إلخ ».
الرابع : لو سلمنا جميع ذلك نقول : ترتب الغاية على فعل الحكيم ووجوبه إنما هو فيما هو غاية بالذات ، والغاية بالذات هنا إنما هي التكليف بالعبادة ، والعبادة غاية بالعرض ، والتكليف شامل لجميع أفراد الجن والإنس للروايات الدالة على أن الأطفال والمجانين يكلفون في القيامة كما سيأتي في كتاب الجنائز. (١)
قوله : وقبل مماتكم ، كان تخصيص قبل الممات بالذكر وإن كان داخلا في الحياة للتنبيه على أن المدار على العاقبة في السعادة والشقاوة ، « لأبلوك وأبلوهم » أي لأعاملك وإياهم معاملة المختبر « أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » مفعول ثان للبلوى بتضمين معنى العلم.
__________________
(١) وقال بعض الأساتيد في الجواب عن هذا الإيراد ما لفظه :
قلت : الإشكال مبنيّ على كون اللام في الجنّ والإنس للاستغراق فيكون تخلف الغرض في بعض الأفراد منافيا له ، وتخلفا من الغرض ، والظاهر أنّ اللام فيها للجنس دون الاستغراق فوجود العبارة في النوع في الجملة تحقّق للغرض لا يضرّه تخلفه في بعض الأفراد ، نعم لو ارتفعت العبادة عن جميع الأفراد كان ذلك بطلانا للغرض ولله سبحانه في النوع غرض كما أنّ له في الفرد غرضا.