وقبل مماتكم فلذلك خلقت الدنيا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار وكذلك أردت في تقديري وتدبيري وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم فجعلت منهم الشقي والسعيد والبصير والأعمى والقصير والطويل والجميل والدميم والعالم والجاهل والغني والفقير والمطيع والعاصي والصحيح والسقيم ومن به الزمانة ومن لا عاهة به فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة فيحمدني على عافيته وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن أعافيه ويصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته فلذلك خلقتهم لأبلوهم في السراء والضراء وفيما أعافيهم وفيما أبتليهم وفيما أعطيهم
______________________________________________________
قوله : والطاعة والمعصية إسناد خلقهما إليه سبحانه إسناد إلى العلة البعيدة ، أو المراد به جعل المعصية معصية ، والطاعة طاعة ، أو المراد بالخلق التقدير على عموم المجاز أو الاشتراك ، وظاهره أن الجنة والنار مخلوقتان كما هو مذهب أكثر الإمامية بل كلهم ، وأكثر العامة ، وذهب جماعة من المعتزلة إلى أنهما غير مخلوقتين الآن ، وستخلقان.
« وبعلمي النافذ فيهم » أي المتعلق بكنه ذواتهم وصفاتهم وأعمالهم ، كأنه نفذ في أعماقهم أو الجاري أثره فيهم « فجعلت منهم الشقي والسعيد » أي من كنت أعلم عند خلقه أنه يصير شقيا ، أو المادة القابلة للشقاوة وإن لم يكن مجبورا عليها ، وكذا السعيد « والبصير » أي بصرا أو بصيرة ، وكذا الأعمى و « الذميم » في أكثر النسخ بالذال المعجمة ، أي المذموم الخلقة ، في القاموس : ذمه ذما ومذمة فهو مذموم وذميم وبئر ذميم وذميمة قليلة الماء ، غزيرة ضد ، وبه ذميمة أي زمانة تمنعه الخروج ، وكأمير بثر يعلو الوجوه من حر أو جرب ، وفي بعض النسخ بالدال المهملة ، في القاموس : والدمة بالكسر الرجل القصير الحقير ، وأدم أقبح أو ولد له ولد قبيح