.................................................................................................
______________________________________________________
ترى إلى قول الشاعر :
وقالت له العينان سمعا وطاعة |
|
وأسبلتا كالدر ما لم يثقب |
والعينان لم تقل قولا مسموعا ولكنه أراد منها البكاء ، فكانتا كما أراد من غير تعذر عليه ، ومثله قول عنترة :
فازود من وقع القنا بلبانه |
|
وشكا إلى بعبرة وتحمحم |
والفرس لا يشتكي قولا لكنه ظهر منه علامة الخوف والجزع ، فسمي ذلك قولا ، ومنه قول الآخر : « وشكا إلى جملي طول السري » والجمل لا يتكلم لكنه لما ظهر منه النصب والوصب لطول السري عبر عن هذه العلامة بالشكوى التي يكون كالنطق والكلام ، ومنه قولهم أيضا :
امتلاء الحوض وقال قطني |
|
حسبك مني قد ملأت بطني |
والحوض لم يقل قطني لكنه لما امتلاء بالماء عبر عنه بأنه قال : حسبي ، ولذلك أمثال كثيرة في منثور كلام العرب ومنظومة ، وهو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية ، والله تعالى نسأل التوفيق.
« فصل » فأما الخبر بأن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته العامة كما روته الخاصة ، وليس هو مع ذلك مما يقطع على الله بصحته ، وإنما نقله رواته لحسن الظن به ، وإن ثبت القول فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد واخترع الأجساد واخترع لها الأرواح ، فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم كما قدمناه ، وليس بخلق لذواتها كما وصفناه ، والخلق لها بالإحداث والاختراع بعد خلق الأجساد والصور التي تدبرها الأرواح ، ولو لا أن ذلك كذلك لكانت الأرواح يقوم بأنفسها ولا تحتاج إلى آلات تعتملها ، ولكنا نعرف ما سلف لنا من الأحوال قبل خلق الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد ، وهذا محال لإخفاء بفساده.