.................................................................................................
______________________________________________________
بني آدم خلقهم وبلغهم وأكمل عقولهم وقررهم على ألسن رسله عليهمالسلام بمعرفته وما يجب من طاعته ، فأقروا بذلك وأشهدهم على أنفسهم به لئلا يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو يعتذروا بشرك آبائهم ، وإنما أتى من اشتبه عليه تأويل الآية من حيث ظن أن الذرية لا يقع إلا على من لم يكن كاملا عاقلا وليس الأمر كما ظن لأنا نسمي جميع البشر بأنهم ذرية آدم وإن دخل فيهم العقلاء الكاملون وقد قال الله تعالى : « رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ » (١) ولفظ الصالح لا يطلق إلا على من كان كاملا عاقلا فإن استبعدوا تأويلنا وحملنا الآية على البالغين المكلفين فهذا جوابهم.
الجواب الثاني : أنه تعالى لما خلقهم وركبهم تركيبا يدل على معرفته ويشهد بقدرته ووجوب عبادته وأراهم العبر والآيات والدلائل في غيرهم وفي أنفسهم كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم وكانوا امتناعهم منه وانفكاكهم من دلالته بمنزلة المقر المعترف وإن لم يكن هناك إشهاد ولا اعتراف على الحقيقة في مشاهدة ذلك ومعرفته وظهوره فيهم على الوجه الذي أراده الله تعالى وتعذر ، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » (٢) وإن لم يكن منه تعالى قول على الحقيقة ولا منهما جواب ، ومثله قوله تعالى : « شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ » (٣) ونحن نعلم أن الكفار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم وأنهم لما ظهر منهم ظهورا لا يتمكنون من دفعه كانوا بمنزلة المعترفين به ، ومثل هذا قولهم : جوارحي تشهد بنعمتك وحالي معترفة بإحسانك ، وما روى عن بعض الحكماء : سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك فإن لم تجبك حوارا إجابتك اعتبارا ، وهذا باب كبير وله نظائر كثيرة في النظم والنثر يغني
__________________
(١) سورة غافر : ٨.
(٢) سورة فصّلت : ١١.
(٣) سورة التوبة : ١٧.