.................................................................................................
______________________________________________________
أن القول الأول هل يصح أم لا.
فإن قال قائل : فما المختار عندكم فيه؟ قلنا : هيهنا مقامان : « أحدهما » أنه هل يصح القول بأخذ الميثاق عن الذر؟ والثاني أن بتقدير أن يصح القول به فهل يمكن جعله تفسيرا لألفاظ هذه الآية؟
أما المقام الأول فالمنكرون له قد تمسكوا بالدلائل العقلية التي ذكرناها وقررناها ، ويمكن الجواب عن كل واحد منها بوجه مقنع :
أما الوجه الأول من الوجوه العقلية المذكورة وهو أنه لو صح القول بأخذ هذه الميثاق لوجب أن نتذكره الآن؟ قلنا : خالق العلم بحصول الأحوال الماضية هو الله تعالى لأن هذه العلوم عقلية ضرورية ، والعلوم الضرورية خالقها هو الله تعالى ، وإذا كان كذلك صح منه تعالى أن يخلقها ، فإن قالوا : فإذا جوزتم هذا فجوزوا أن يقال أن قبل هذا البدن كنا في أبدان أخرى على سبيل التناسخ وإن كنا لا نتذكر الآن أحوال تلك الأبدان؟ قلنا : الفرق بين الأمرين ظاهر ، وذلك لأنا إذا كنا في أبدان أخرى وبقينا فيها سنين ودهورا امتنع في مجرى العادة نسيانها أما أخذ هذا الميثاق إنما حصل في أسرع زمان وأقل وقت فلم يبعد حصول النسيان والفرق الظاهر حاكم بصحة هذا الفرق لأن الإنسان إذا بقي على العمل الواحد سنين كثيرة يمتنع أن ينساها ، أما إذا مارس العمل الواحد لحظة واحدة فقد ينساها فظهر الفرق.
وأما الوجه الثاني وهو أن يقال : مجموع تلك الذرات يمتنع حصولها بأسرها في ظهر آدم عليهالسلام؟ قلنا : عندنا البنية ليست شرطا لحصول الحياة والجوهر الفرد والجزء الذي لا يتجزى قابل للحياة والعقل ، فإذا جعلنا كل واحد من تلك الذرات جوهرا فردا فلم قلتم أن ظهر آدم لا يتسع لمجموعها ، إلا أن هذا الجواب لا يتم إلا إذا قلنا : الإنسان جوهر فرد وجزء لا يتجزى في البدن ، على ما هو مذهب