فطرهم على المعرفة به قال زرارة وسألته عن قول الله عز وجل : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » الآية قال أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم وأراهم نفسه ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربه وقال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله كل مولود يولد على الفطرة يعني المعرفة بأن الله عز وجل خالقه كذلك قوله « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ » (١).
______________________________________________________
كان كلهم مسلمين مقرين به أو قائلين للمعرفة وأراهم نفسه بالرؤية العقلية الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور ليرسخ فيهم معرفته ، ويعرفوه في دار التكليف ، ولو لا تلك المعرفة الميثاقية لم يحصل لهم تلك القابلية وفسر عليهالسلام الفطرة في الحديث بالمجبولية على معرفة الصانع والإذعان به « كذلك قوله »أي هذه الآية أيضا محمولة على هذا المعنى : « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ » أي كفار مكة كما ذكره المفسرون أو الأعم كما هو أظهر من الخبر « لَيَقُولُنَّ اللهُ » لفطرتهم على المعرفة.
وقال البيضاوي : لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره بحيث اضطروا إلى إذعانه ، انتهى.
والمشهور أنه مبني على أن كفار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله ، بل كانوا يعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله ، وظاهر الخبر أن كل كافر لو خلي وطبعه وترك العصبية ومتابعة الأهواء وتقليد الأسلاف والآباء لأقر بذلك ، كما ورد ذلك في الأخبار الكثيرة.
قال بعض المحققين : الدليل على ذلك ما نرى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على الله ، ويتوجهون توجها غريزيا إلى مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب ، وإن لم يتفطنوا لذلك ، ويشهد لهذا قول الله عز وجل : « قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
__________________
(١) سورة لقمان : ٢٥.