.................................................................................................
______________________________________________________
ظاهر في نفسه وهو مظهر لغيره ، انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره لو لا طريان ضده ، فإذا الرب تعالى هو أظهر الأمور وبه ظهرت الأشياء كلها ، ولو كان له عدم أو غيبة أو تغير لانهدمت السماوات والأرض وبطل الملك والملكوت ، ولأدركت التفرقة بين الحالتين ، ولو كان بعض الأشياء موجودا به وبعضها موجودا بغيره لأدركت التفرقة بين الشيئين في الدلالة ، ولكن دلالته عامة في الأشياء على نسق واحد ، ووجوده دائم في الأحوال يستحيل خلافه ، فلا جرم أورث شدة الظهور خفاء.
فهذا هو السبب في قصور الأفهام ، وأما من قويت بصيرته ولم يضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا الله وأفعاله ، وأفعاله أثر من آثار قدرته ، فهي تابعة له فلا وجود لها بالحقيقة ، وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الأفعال كلها ، ومن هذا حاله فلا ينظر في شيء من الأفعال إلا ويرى فيه الفاعل ، ويذهل عن الفعل من حيث أنه سماء وأرض وحيوان وشجر ، بل ينظر فيه من حيث أنه صنع ، فلا يكون نظره مجاوزا له إلى غيره كمن نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه ، ورأى فيه الشاعر والمصنف ورأى آثاره من حيث هي آثاره لا من حيث إنها حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض ، فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف.
فكل العالم تصنيف الله تعالى فمن نظر إليها من حيث إنها فعل الله ، وعرفها من حيث إنها فعل الله ، وأحبها من حيث إنها فعل الله لم يكن ناظرا إلا في الله ، ولا عارفا إلا بالله ولا محبا إلا لله ، وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله ، بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه ، بل من حيث هو عبد الله.
فهذا هو الذي يقال فيه أنه فني في التوحيد وأنه فنى من نفسه ، وإليه الإشارة بقول من قال : كنا بنا ففنينا عنا فبقينا بلا نحن ، فهذه أمور معلومة عند ذوي البصائر أشكلت لضعف الأفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء عن إيضاحها وبيانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الأفهام ، لاشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما