فالعقل عندما يرى نعم خالقه متواترة عليه في نفسه والكون من حوله ، لا يملك سوى الانحناء لخالقه إجلالاً وتعظيماً وشكراً له وحياء منه ، هذا ما يدركه عقله ويوجبه عليه ويدرك أنّ الخالق سبحانه لم يخلق هذا الكون وهذا الانسان عبثاً وقد بيّن تعالى في كتابه الكريم هذا المعنى فعندما نرجع إلى كلامه جلّ وعلا نراه محكماً في معناه حيث قال سبحانه : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (١).
فعلمنا أنّ مراده « جلّ وعلا » عبادته وطاعته والانقياد له ، وإذ لا يمكن أن يترك الله لنا الخيار للوصول إلى ما أراد ; لأنّ العقول متفاوتة في الإدراك ، وكلّ سيدرك هدفاً غير الآخر ، بينما الهدف واحد ، ولا يمكن أن يتعدّد ، لذا اختار الله من بين البشر أُناساً لهم صفات معيّنة ليقوموا بهذا الدور الإرشادي التوجيهي ، وليبلّغونا غاية خلقنا كما أرادها ربّ العالمين جلّ وعلا.
هنا قال صاحبي : ولم لا يهدينا الله بشكل مباشر ، إذ هو قادر على أن يهدي كلّ إنسان بطريقة أو بأُخرى ؟
قلت : لا يمكن ذلك ; لأنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ أراد من وجودنا في هذه الحياة أن يختبرنا ، ومعنى الاختبار أن يكون الإنسان في وضع الاختيار بين طرف وآخر ، أو بين أطراف متعدّدة .. المهمّ أنّ الاختبار الموجّه للإنسان يتضمّن الاختيار الإنساني ، أي : أنّ الله
_____________________
(١) سورة الذاريات : ٥٦.