ـ سبحانه وتعالى ـ خلقنا وهيّأ لنا الحياة الطيّبة علىٰ الأرض ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) (١) لكي يترك زمام الاختيار إلى الإنسان نفسه ; لأنّ الإنسان يختلف عن الملائكة وعن الحيوانات الأخرى ، فهو يتمتّع بميّزتين معاً : العقل والقوّة الشهوانيّة ، وهما معاً لا يوجدان في الملائكة ولا الحيوان ، لذا الإنسان هو الوحيد ( ومعه الجن ) المكلّف ، ويترتّب على هذا التكليف جزاء إمّا الثواب أو العقاب ، فكان من الطبيعي أن يترك الإنسان إلى اختياره ليحدّد مصيره بكامل إرادته ، وذلك بعد أن بيّن الله تعالى له أنّ في الدنيا طريقين ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (٢).
الآن يواجهنا سؤال هامّ للغاية ، وهو كيف نعبد الله تعالى ؟ فإذا كان الهدف هو العبادة فبأيّ طريقة وكيفية تتحقّق ؟
والجواب المنطقي على ذلك هو بالمعرفة ، أي أنّنا لا يمكننا أن نعبد الله تعالى إلاّ إذا عرفناه ، فبقدر المعرفة تكون العبادة ، لذا قال تعالىٰ ( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) (٣) فكلّما ارتقى الإنسان في المعرفة الإلهيّة كانت عبادته أرقى وأكمل ، فمعرفة الله سبحانه هي أساس العبادة ، إذ قد يعبد الله تعالى من لا يعرف الله ، ولا يعرف صفاته ، ولا أوامره ونواهيه ، ولا يعلم أيّ طريق
_____________________
(١) سورة الكهف : ٧.
(٢) سورة الإنسان : ٣.
(٣) سورة فاطر : ٢٨.