وحكمته بعث معرِّف يعرِّف خلقه معالم الطريق ; وحتّى يكونوا على بصيرة من أمرهم ، قال تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (١) فعلى هذا علّة الخلق العبادة ، وعلّة وجود المعرِّف بيان الطرق الصحيحة للمعرفة والعبادة التي يرضاها الله تعالى.
قال صاحبي : لو فرضنا عدم وقوع الاختلاف في معرفة الحقيقة والعبادة الصحيحة ، فهل يعني ذلك عدم الاحتياج للمعرِّف ؟
قلت : نعم ، مادام المجتمع البشريّ مجمعاً على « الصراط المستقيم » فلا حاجة للمعرِّف بعد ذلك ، ولمّا كان الاختلاف بين الناس وهو طبيعة بشريّة ، اقتضى ذلك وجود المعرِّف دائماً ; ليبيّن الحق من الباطل ، وليكون حجّة علىٰ العباد.
وفي هذا الأمر يقول الله تعالى :
( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ) (٢) فالاختلاف باق ما بقي البشر إلاّ من رحمهم الله بالاجتماع على الحق الذي عرّفهم إيّاه المعرِّف ، ولذلك خلقهم.
فالاجتماع على العبادة هو هدف الخلقة ، ولذا نقرأ كلّ يوم في
_____________________
(١) سورة البقرة : ٢١٣.
(٢) سورة هود : ١١٨ ـ ١١٩.