وادعوا الصحبة وأثبتوها لمن لم يقض له بها دليل :
وجه هذا الكلام ما كررناه أنهم يصطلحون على شيء في متأخر الأزمان ، ثم يفسرون الكتاب ، والسنة باصطلاحهم المجدّد.
والصحبة ليس فيها لسان شرعي ، إنما هي بحسب الّلغة وكذلك سائر الألفاظ التي وردت بها فضائل الصحابة ، لكن المحدثون اصطلحوا أو قضوا بغير دليل ، على أن الصحبة لكل من رأى النبي ، أو رأى هو النبي ولو طفلاً ، بشرط أن يكون محكوماً بإسلامه ، ويموت على ذلك ، ولا يرتد.
ولا يشك منصف بل عاقل أن هذه القيود أمر اصطلاحي لا تقضي اللغة بها ، لأن الاشتقاق إنما هو من صحب ، لا من رأى أو رئي تحقيقاً أو تقديراً ، ليدخل الأعمى.
وكان عليهم أن يقولوا تقديراً قريباً أو نحوه ليخرج المعاصر الذي لم يره ، بل ليخرج كلّ احد ، إذ التقدير بحر واسع ، فهذا اصل الخطأ في هذه المسألة كما قد حذرناك من هذه الغلطة التي وقع الناس كثيراً فيها.
ثم بعد أن تم لهم تعريف الصحبة ذيلوها باطراح ما وقع من مسمى الصحابي منهم من يتستر بدعوى الاجتهاد ، دعوى تكذبها الضرورة في كثيرة من المواضع.
ومنهم من يطلق! ويا عجباه من قلة الحياء في ادعاء الاجتهاد لبسر ابن أرطأه (١) ، الذي انفرد بأنواع الشر لأنه مأمور المجتهد معاوية ناصح
__________________
(١) نقل الحافظ ابن حجر في الإصابة أن معاوية وجه بسر بن أرطأة إلى اليمن والحجاز وأمره أن ينظر من كان في طاعة علي فيوقع بهم ويقتلهم ، وهو الذي قتل طفلين لعبيد الله بن عباس ، ولأمهما عائشة بنت المدان قصيدة في ذلك نكتفي منها بهذا البيت :
أنحى عليّ ودجى
اني مرهفة |
|
مشحوذة وكذلك
الإثم يقترف |
ثم وسوست فكانت تقف في الموسم تنشد هذا الشعر وتهيم على وجهها.