العكس فيه ، فلو لا المخصص لم يكن لتقديم ما قدم وتأخير ما أخر وجه ، ولأن العالم بفعله وغرضه به يخصه مع خلوة من السهو والغفلة ، وكونه مخلا بينه وبين الإرادة يجب كونه مريدا.
وهذه حاله سبحانه ، فهو مريد على الحقيقة ، ولأنه أمر بالطاعة ونهى عن المعصية ، فلو لا أنه مريد لما أمر به كاره لما نهى عنه ، لم يتميز الأمر ولا النهي من غير هما ، ولا كان لكونه آمرا وناهيا وجه ، ويستحيل استحقاقهما لذاته وإلا لزم قدم المرادات واجتماع المتضادات للذات ولمعنى قديم ، لأنه لا قديم سواه ، ولمعنى محدث حاله فيه ، لاستحالة كونه محلا للحوادث وفي غيره ، لوجوب رجوع حكمه إليه إن كان حيا واستحالته في الجماد ، فلا بد من وجود هما لا في محل.
وما (١) لا يجوز عليه تعالى مما يجب نفيه عنه ، فمنه ما لفظه ومعناه يفيد السلب ، وهو نفي المائية (٢) المحكية عن ضرار بن عمرو (٣) لأنه لا حكم يدل على ثبوتها ولا طريق إلى صحتها ، والأصح إثبات الكيفية والكمية ، وهو جهالة ، ونفي الجسمية والجوهرية والعرضية ، لما ثبت من قدمه وحدوث ذلك أجمع ، فلو لا استحالة كونه بصفة شيء منها لوجب حدوثه أو قدمها ، لثبوت المشاركة في الحقيقة ، ولأنه فاعل ما فعل من ذلك اختراعا ، فلو كان مثلها تعذر عليه إنشاؤها واختراعها ، كما تعذر على غيره.
__________________
(١) في « ج » : ومما.
(٢) ويحتمل أن يكون المقصود « الماهية » والمآل واحد.
(٣) هو صاحب مذهب الضرارية من فرق الجبرية ، كان في بدء أمره تلميذا لواصل بن عطاء المعتزلي ثم خالفه في خلق الأعمال وإنكار عذاب القبر. وذهب إلى أن لله تعالى ماهية لا يعرفها غيره يراها المؤمنون بحاسة سادسة. الفرق بين الفرق ص ٢١٤ تأليف عبد القاهر البغدادي.