أما الكلام في ركن العدل
فإنه يترتب على أصلين : أحد هما إثبات التحسين والتقبيح العقليين ، لأنه قد ثبت عموم العلم بمحسنات ومقبحات ، ولا يقف العلم بحسنها وقبحها على ما وراء كمال العقل ، ولا يمكن الخروج عنه معه ، فلو لا أنه من جملة علومه ، لم يكن لجميع (١) ذلك وجه ، ولا تأثير لأمر ولا نهي ، في حسن مأمور ولا قبح منهي ، لأنهما لو أثرا لتوقف العلم بحسن ما حسنته العقول ، وقبح ما قبحته على ورود هما فيستحيل الجميع (٢) ، لما فيه من الدور ، وكان لا يقبح منه تعالى تصديق الكذابين ، الذي لو جاز عليه لم يبق طريق إلى العلم بصدق الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ولا بصحة الشرائع ، وما بصحة مدلوله فساد دليله إلا غير خاف الفساد (٣).
وثانيهما : إثبات اقتداره تعالى على ما له صفة القبيح (٤) ، لأن استناد كونه قادرا إلى ما هو عليه في ذاته ، يقتضي عموم تعلق قادريته بكل مقدور على الوجه الذي لا يتناهى.
ومن جملة المقدورات القبيح ، فيجب كونه قادرا عليه ، ولأن القبيح مقدور لنا ، لصحة وقوعه منا ، وهو آكد حالا منا في كونه قادرا ، فلا وجه لكونه غير قادر عليه ، كما لا وجه لاختصاص قادريته بمقدور دون غيره. وحينئذ يجب كونه متنزها عن فعل القبيح ، لأنه عالم لا يجهل ، وغني لا يحتاج ، فهو عالم بقبحه ، واستغنائه
__________________
(١) في « ا » : بجميع.
(٢) في « ا » : فيستحيل الجمع.
(٣) هكذا في النسخ التي بأيدينا والظاهر أن لفظة « إلا » زائدة.
(٤) في « ا » : صفة القبح. وكذا فيما يأتي.