من فعلهم باطنا وظاهرا منسوب إليهم لا إليه لوجوب (١) وقوعه بحسب الداعي والإرادة ، وانتفائه بحسب الصارف والكراهة ، فلو لم يكن فعلا ممن وقع منه لم يجب ذلك ، وجاز خلافه ، كما لا يجب في كل ما ليس من فعلهم ذلك ، لظهور الفرق بينهما ، ولأن وجوب استحقاقهم المدح على فعل ، والذم على آخر كاشف عن كونهم فاعلين وإلا لم يكن لهذا الاستحقاق وجه ، كما لا وجه له في كل ما لا تعلق لهم بفعله ، ولأنهم مأمورون ومنهيون ، مرغبون بالمثوبة على امتثال ما أمروا به ، مرهبون بالعقوبة على مخالفتهم ، فلو لا أنهم ممكنون من ذلك ، لم يكن لجميعه وجه ، ولأن نفي كونهم فاعلين يسد طريق العلم بإثبات الفاعل مطلقا ، وثبوت الفعل مع انتفاء الفاعل مما لا يعقل ، لكونه جهالة.
وقد ظهر بذلك أن أفعالهم ليست مخلوقة فيهم ، ويزيده ظهورا أنه يستحيل وقوع الفعل الواحد بفاعلين ، كما يستحيل وقوع مقدور الواحد بقدرتين ، لاستحالة كون الشيء الواحد موجودا معدوما ، واقعا مرتفعا ، في حالة واحدة ، فيتحقق بذلك بطلان الكتب ، وإن كان غير معقول ، لكون العلم بكل واحد من صحته وحقيقته موقوفا بالعلم على الآخر ، مع أنه إن كان نفس الفعل فهو واقع بفاعله ، وإن كان وجهه الذي يقع عليه فهو تابع لاختيار الفالع وقصده ، لاستحالة تجرده عن ذات الفعل وماهيته ، فلا معنى لكونه العبد مكتسبا إلا كونه فاعلا ، وليس في العقلاء ، من يسند الفعل الواحد إلى فاعلين : أحدهما محمود ، وهو الخالق ، والآخر مذموم ، وهو العبد المكتسب ، إلا المجبرة والمجوس.
وإذا ثبت كون العباد فاعلين ثبت كونهم قادرين ، لاستحالة وقوع المقدور
__________________
(١) في « ج » : بوجوب.