فأما مع اختلاف ما ذكرناه فلا انحصار لتعلقها ، وهي متفقة فيه ( وإن اختلف ، لأنه لا وجه لاختلافها فيه ) (١) وشرط مقدورها أن يكون ممكنا في نفسه ، لاستحالة تعلقها بما ليس كذلك.
فعلى هذا يكون تكليف الكافر بالإيمان ممكنا ، لكونه مقدورا له وحسنا ، لكونه إرادة حكيم منزه عن كل قبيح.
وقد يكون واجبا في الحكمة لتكامل شروطه ، ولا تأثير لتعلق العالمية بأنه لا يختاره ، إذ ليست مؤثرة في معلومها ولا مضادة لوقوعه منه ، فكان ممكن الوقوع باعتبار تمكنه واقتداره محالا بسوء اختياره ، ولو أوجب تعلق العالمية كفر الكافر ، لأوجب إيمان المؤمن ، فيقبح التكليف ، ويسقط ما يترتب عليه ، وقد كلف الله سبحانه كل من أكمل له شروطه التي هي الحياة والعقل والاقتدار والتمكين ونصب الأدلة وإزاحة العلة وشهوة القبيح والنفار عن الحسن والألطاف المعلومة له ، لأنه مع إكمالها إذا لم يغن (٢) بالحسن عن القبيح ، بل جعل ما أمر به شاقا ، لكونه مؤلما منفورا عنه وما نهى عنه كذلك ، لكونه ملذا مشتهى ، فلو لا كونه مكلفا كل من أكمل له فعل المشاق وترك الملذ كان عابثا أو مغريا له بالقبيح ويتعالى الله عنهما ولا وجه لكونه باعتبارها غير مكلف ، لأنه على الصفات المعتبرة في ثبوت كونه كذلك ، وحسن هذا التكليف معلوم ، لاستناده إلى مكلف حكيم ، ولتضمنه التعريض إلى استحقاق المنافع العظيمة التي لا تستحق إلا به ، لقبح الابتداء بمثلها ، وذلك هو الغرض به ، والتعريض للشيء في حكم إيصاله ، والمخاطب به
__________________
(١) ما بين القوسين موجود في « أ ».
(٢) في « أ » : لم يعن.