المرتبة عند الله تعالى والزلفة لديه إلّا بالورع ، وما حكاه السعيد عن والده في طبخ الزبيب فيه كفاية لكل لبيب أريب ، وحيث أتينا على ما أوردناه من المقدّمات فلنرجع الى المقصود بالذات.
قوله : حيث إنّا لزمنا الإقامة ببلاد العراق وتعذّر علينا الانتشار في الآفاق لم نجد بدّا من التعلّق بالغربة لدفع الأمور الضروريّة من لوازم مهمّات (١) المعيشة (٢).
أقول : لا يخفى على كلّ ناظر أنّ هذا العذر لا ينهض على مخالفة الشرع القويم والطريق المستقيم ، فالتعلّق بالغربة إمّا أن يكون مشروعا خاليا عمّا يدنس غرض أهل الشريعة أو لا يكون ، فإن كان الأول لم يفتقر إلى توطئة العذر بما ذكر على وجه هو إظهار عدم حبّ الزيادة وطبيعة بعض المكلّفين مشعوفة بها كما لا يخفى ، وإن كان الثاني فالعذر غير مقبول ، فكيف يستجير من ادّعى الارتقاء في العلم أن يتكلّم بنحو هذا بعد سماعه قوله تعالى « إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ » (٣). وبعد قوله عليهالسلام : من طلب العلم يكفل له برزقه (٤). وقوله عليهالسلام : الرزق كالموت يأتيك وإن هربت منه (٥). وغير ذلك من الآثار ، على أن الناظر بعين البصيرة يرى ما قاله غير واضح ، فإنّ إقامته في العراق لم تكن لازمة خصوصا حينئذ وعدم وجدانه بدّا من التعلّق غير واقع ، فإنّه لم يقم فيها وفي مثلها إلّا ريب ما يطرح الإعياء ، ثم أخذت منه وهو مستقيم في الحالين ولا تفاوت عليه
__________________
(١) في النسخة الأخرى لكتاب « كلمات المحققين » والرسالة الخراجية للمحقق الثاني ( قده ) المطبوعة في ضمنها « متمّمات ».
(٢) رسالة « قاطعة اللجاج في حلّ الخراج » للمحقق الثاني ( قده ) ص ٣٧.
(٣) الذاريات : ٨.
(٤) كنز العمّال ـ ج ١٠ ـ حديث رقم ٢٨٧٠١ ـ ص ١٣٩ ـ ط ـ بيروت والرواية عن رسول الله ( صلىاللهعليهوآله ) ومتنها هكذا : من طلب العلم تكفّل الله له برزقه.
(٥) لم نجد ما يطابق هذا التعبير تماما وفي الكافي ـ ج ٢ ـ ص ٥٧ في ذيل حديث ٢ من باب ٣٠ من كتاب ١ بما هذا نصّه « ولو أنّ أحدكم فرّ من رزقه كما يفرّ من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ، وفي ج ٥ من الكافي ص ٣٠٤ في ذيل حديث ٢ من باب ١٥٩ من كتاب المعيشة هكذا « لو أن أحدكم هرب من رزقه لتبعه حتى يدركه كما أنّه إن هرب من أجله تبعه حتى يدركه » وتنبيه الخواطر ـ ج ٢ ـ ص ١٠٧ ما هذا نصّه : ولو أنّ أحدكم يتربص رزقه لطلبه كما يطلبه الموت.