٥ ـ وفى مجال استنباط الأحكام من النصوص وتوسيع مدلولها وإدخال ما ليس فيه نص تحت حكم ما دل عليه النص للتشابه بين القضيتين. تجد أبا عبيد أبدع في هذا المجال وأجاد إذ يقول في باب اليتامى : ومخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه ولا يجد بدا من خلطه بعياله فيأخذ من مال اليتيم قدر ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله ، وهذا قد يقع فيه الزيادة والنقصان فجاءت هذه الآية الناسخة بالرخصة فيه وذلك قوله عزوجل : ( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) (١).
ثم قال أبو عبيد : وهذا عندي أصل للشاهد الذي تفعل الرفاق في الأسفار ألا ترى أنهم يتخارجون النفقات بالسوية ، وقد يتباينون في قلة المطعم وكثرته وليس كل من قل طعامه تطيب نفسه بالتفضل على رفيقه ، فلما جاء هذا في أموال اليتامى واسعا ، كان في غيرهم بحمد الله ونعمته أوسع لو لا ذلك لخفت أن يضيق فيه الأمر على الناس (٢).
٥ ـ المآخذ التي لاحظتها على الكتاب
أيا كانت جهود البشر فهي عرضة للقصور والنقص والخطأ ، وما من إنتاج علمي بلغ الذروة فوصل به صاحبه من جودة التصنيف وجمال التأليف مبلغا لم يسبق إليه إلا وسيأتى بعده من يستدرك عليه ويرصد هفواته ويكشف عن مواضع النقص فيه. وليس القيام بهذا العمل دليلا على تفوق من قام به على من استدرك عليه إذ قد يستدرك العاجز عن التصنيف على من بلغت مصنفاته الآفاق وتداولها الناس ، وانتفعوا بها على مر الأعصار.
ومن هنا سمحت لنفسي أن أتطاول على أبي عبيد في مصنفه « الناسخ والمنسوخ » فأسجل أمورا اعتبرتها من المآخذ عليه ، فإن أكن وفقت للسداد ، فذلك ما كنت أرجوه ، وإن كانت الأخرى فحسبي ما بذلت من جهد.
__________________
(١) سورة البقرة آية ٢٢٠.
(٢) انظر : باب اليتامى ص ٢٤٠.