الثاني : أن يبلغوا حدا (١) من الكثرة واختلاف الدواعي وتنائى الديار ينقلون لفظا واحدا عن معروف غير ملتبس كنقل الناقلين من المسلمين معجزات نبينا صلىاللهعليهوآله ومن الشيعة النص الجلي ، من حيث علمنا أن مثل هذين الفريقين مع ما نجد كل فريق منها عليه من الكثرة وتنائى الديار وتباين الأغراض لا يصح فيهم افتعال لفظ واحد على جهة الاتفاق ، كما لا يصح لكل شاعر من إقليم واحد أن ينتظم بيتا من الشعر فيتفق ذلك لكل شاعر فيه ، والتواطؤ بالاجتماع في مكان واحد فرع لثبوت التعارف بينهم ، وقد علم ارتفاعه (٢) ممن ذكرناه من ناقلي الفريقين ، ولو وقع لارتفع الريب فيه ، لأن أهل البلاد المتباعدة وذوي الأغراض المتباينة إذا رحلوا من أماكنهم إلى مكان واحد ليبرموا أمرا لم يخف ذلك من حالهم على أحد عنى بالأخبار.
وكثرة هؤلاء الناقلين بعد قلة يجوز منهم لها الافتعال يمنع منه سببان :
أحدهما : أن النقل الذي بينا صدق ناقله يتضمن أمرين. أحدهما لفظ الخبر ، والثاني صفة المنقول عنه ، فماله آمنا الكذب في أحد الأمرين يجب أن نأمنه في الآخرة.
والثاني : عدم العلم بأعيان مفتعلة وزمانه كالعلم بابتداء الخوارج والقول بالمنزلة بين المنزلتين ، ونحلة النجار والأشعري وابن كرام (٣).
__________________
(١) حده. ظ.
(٢) في بعض النسخ : انتفاؤه.
(٣) النجارية أصحاب الحسين بن محمد النجار ، وأكثر معتزلة الري وما حواليها على مذهبه ، وقد مات في حدود سنة ٢٣٠.
والأشعرية أصحاب أبي الحسن على بن إسماعيل الأشعري ، توفي سنة ٣٣٤ والكرامية أصحاب أبى عبد الله محمد بن كرام ، مات سنة ٢٥٥.
وأول من قال بالمنزلة بين المنزلتين هو وأصل بن عطا المتوفى ١٣١ وتابعة على ذلك عمرو بن عبيد المتوفى ١٤٤. راجع الملل والنحل للشهرستانى.