وإن احتاج إلى صاحب وصديق وزميل فليختر الصاحب الصالح (١) ، الديّن التقي الذكي الورع ، الذي يعين على اُمور دينه ودنياه وآخرته ، إن نسي ذكّره ، وإن ذكر أعانه ، وإن احتاج واساه ، وإن ضجر صبّره. فيستفيد من خلقه ملكة صالحة ، فإنّ المرء يكسب من قرينه أخلاقه وملكاته ، وإن لم يتّفق مثل هذا العبد الصالح ، فإنّ الوحدة خيرٌ له من قرين السوء ، وإنّ الصبر على الوحدة في مثل هذه المواقف من قوّة العقل ، وقطعيّة الجاهل تعدل صلة العاقل.
وقد حثّ علماء الأخلاق على ترك العشرة المانعة من تحصيل العلم ، بل لا بدّ لمن آثر الله على من سواه من العزلة في ابتدائه توحّشاً من غير الله ، ومن الخلوة في انتهائه اُنساً بالله ، وقد ورد في الخبر الشريف عن الإمام العسكري (عليه السلام) : « من استأنس بالله استوحش من الناس » (٢).
والسيّد الإمام الخميني في كتابه « الجهاد الأكبر » يرى أنّه من الحريّ لطالب العلم أن يبقى في الحوزة في مقام تهذيب نفسه ولو كان يستلزم ذلك خمسون سنة ، ثمّ بعد ذلك يخرج إلى المجتمع ، حتّى لا يتلوّث قبل تكميل نفسه بأوساخ المجتمع ، ولا يتغيّر بأهوائهم والأجواء التي يخلقونها ، بل يكون هو صاحب التصميم والقرار وهو الذي يلوّن المجتمع بصبغة الله ، لا أنّه يتلوّن بألوانه وينجرف مع سيله ، حتّى يفقد دينه ـ والعياذ بالله ـ.
__________________
١ ـ لقد تعرّضت لمواصفات الصديق وواجبات الصداقة في كتاب « معالم الصديق والصداقة في رحاب أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) » ، فراجع.
٢ ـ لقد ذكرت مقامات عديدة تلزم مقام الاُنس بالله في رسالة « مقام الاُنس بالله » شرحاً وبياناً لهذه الرواية الشريفة ، وهي مطبوعة ، فراجع.