القيامة ثم سأل وراثة الجنة ومغفرة أبيه وعدم الخزي يوم القيامة.
وقد أجابه الله تعالى إلى جميع ما سأله عنه على ما ينبئ به كلامه تعالى إلا دعاءه لأبيه وحاشا رب العالمين أن يذكر دعاء عبد من عباده المكرمين مما ذهب سدى لم يستجبه ، قال تعالى : « مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ » : الحج : ٧٨ وقال : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ » : الزخرف : ٢٨ وقال : « لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ » : البقرة : ١٣٠ وحياة بسلام عام إذ قال : « سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ » : الصافات : ١٠٩.
وسير التاريخ بعده عليهالسلام يصدق جميع ما ذكره القرآن الشريف من محامده وأثنى فيه عليه فإنه عليهالسلام هو النبي الكريم قام وحده بدين التوحيد وإحياء ملة الفطرة وانتهض لهدم أركان الوثنية ، وكسر الأصنام على حين اندرست فيه آيات التوحيد ، وعفت الأيام فيها رسوم النبوة ونسيت الدنيا اسم نوح والكرام من أنبياء الله ، فأقام دين الفطرة على ساق ، وبث دعوة التوحيد بين الناس ودين التوحيد حتى اليوم وقد مضى من زمنه ما يقرب من أربعة آلاف سنة حي باسمه باق في عقبه فإن الذي تعرفه الدنيا من دين التوحيد هو دين اليهود ونبيهم موسى ، ودين النصارى ونبيهم عيسى ، وهما من آل إسرائيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهالسلام ، ودين الإسلام الذي بعث به محمد صلىاللهعليهوآله وهو من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهالسلام.
ومما ذكره الله من دعائه قوله : « رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ » : الصافات : ١٠٠ يسأل الله فيه ولدا صالحا ، وفيه اعتصام بربه ، وإصلاح لمسألته الذي هي بوجه دنيوية بوصف الصلاح ليعود إلى جهة الله وارتضائه.
ومما ذكره تعالى من دعائه ما دعا به حين قدم إلى أرض مكة وقد أسكن إسماعيل وأمه بها ، قال تعالى : « وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ » : البقرة : ١٢٦.
يسأل ربه أن يتخذ أرض مكة ـ وهي يومئذ أرض قفرة وواد غير ذي زرع ـ حرما لنفسه ليجمع بذلك شمل الدين ، ويكون ذلك رابطة أرضية جسمانية بين الناس وبين ربهم يقصدونه لعبادة ربهم ، ويتوجهون إليه في مناسكهم ، ويراعون حرمته