لم يشق عليهالسلام فما بكلام إلا ولربه فيه نصيب أو كل النصيب إلا ما أصدره من الأمر بقوله : « ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ » فأمرهم بالدخول وحكم لهم بالأمن ، ولم يستتم الكلام حتى استثنى فيه بمشيئة الله لئلا يوهم الاستقلال في الحكم دون الله ، وهو عليهالسلام القائل : « إن الحكم إلا لله ».
ثم شرع في الثناء على ربه فيما جرى عليه منذ فارقهم إلى أن اجتمع بهم وبدأ في ذلك بقصة رؤياه وتحقق تأويلها وصدق فيه أباه لا فيما عبرها به فقط بل حتى فيما ذكره في آخر كلامه من علم الله وحكمته توغلا منه في الثناء على ربه حيث قال له أبوه : « (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ ـ إلى أن قال ـ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) » : يوسف : ٦ وقال له يوسف هاهنا بعد ما صدقه فيما عبر به رؤياه : « إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ » : يوسف : ١٠٠.
ثم أشار إلى إجمال ما جرى عليه ما بين رؤياه وتأويلها فنسبها إلى ربه ووصفها بالحسن وهو من الله إحسان ، ومن ألطف أدبه توصيفه ما لقي من إخوته حين ألقوه في غيابة الجب إلى أن شروه بثمن بخس دراهم معدودة ، واتهموه بالسرقة بقوله : « نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي »
ولم يزل يذكر نعم ربه ويثني عليه ويقول : ربي وربي حتى غشيه الوله وأخذته جذبة إلهية فاشتغل بربه وتركهم كأنه لا يعرفهم ، وقال : « (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) ، فأثنى على ربه بحاضر نعمه عنده ، وهو الملك والعلم بتأويل الأحاديث ، ثم انتقلت نفسه الشريفة من ذكر النعم إلى أن ربه الذي أنعم عليه بما أنعم لأنه فاطر السماوات والأرض ، ومخرج كل شيء من العدم البحت إلى الوجود من غير أن يكون لشيء من الأشياء جدة من نفسه يملك به ضرا أو نفعا أو نعمة أو نقمة أو صلاحية أن يدبر أمر نفسه في دنيا أو آخرة.
وإذ كان فاطر كل شيء فهو ولي كل شيء ، ولذلك ذكر بعد قوله : « فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » أنه عبد داخر لا يملك تدبير نفسه في دنيا ولا آخرة بل هو تحت ولاية الله سبحانه يختار له من الخير ما يشاء ويقيمه أي مقام أراد فقال : « أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ » وعندئذ ذكر ما له من مسألة يحتاج فيها إلى ربه وهو أن ينتقل من الدنيا