عن قوم نوح فيما حكاه من محاجته عليهالسلام حجاجا يشبه ما في هذه الآيات من الحجاج قال تعالى : « فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ. قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ـ إلى أن قال ـ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ـ إلى أن قال ـ وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ » : ( هود ـ ٣١ ).
والتطبيق بين هذه الآيات والآيات التي نحن فيها يقضي أن يكون المراد بالذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ويريدون وجهه هم المؤمنين ، وإنما ذكر دعاءهم بالغداة والعشي وهو صلاتهم أو مطلق دعائهم ربهم للدلالة على ارتباطهم بربهم بما لا يداخله غيره تعالى وليوضح ما سيذكره من قوله : « أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ».
وقوله : « يُرِيدُونَ وَجْهَهُ » أي وجه الله ، قال الراغب في مفرداته : ، أصل الوجه الجارحة قال : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) ، ( وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) ، ولما كان الوجه أول ما يستقبلك وأشرف ما في ظاهر البدن استعمل في مستقبل كل شيء وفي أشرفه ومبدئه فقيل : وجه كذا ووجه النهار ، وربما عبر عن الذات بالوجه في قول الله : ( وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) ، قيل : ذاته وقيل أراد بالوجه هاهنا التوجه إلى الله بالأعمال الصالحة.
وقال : ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ، ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ، ( يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ ) ، ( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ) ، قيل : إن الوجه في كل هذا ذاته ويعني بذلك كل شيء هالك إلا هو وكذا في أخواته ، وروي أنه قيل ذلك لأبي عبد الله بن الرضا فقال : سبحان الله لقد قالوا قولا عظيما إنما عنى الوجه الذي يؤتى منه ومعناه : كل شيء من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به الله ، وعلى هذا الآيات الأخر ، وعلى هذا قوله : ( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) ، ( يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ ) ، انتهى.
أقول : أما الانتقال الاستعمالي من الوجه بمعنى الجارحة إلى مطلق ما يستقبل به الشيء غيره توسعا فلا ريب فيه على ما هو المعهود من تطور الألفاظ في معانيها لكن النظر