خوف من الحشر في قلبه إذا ذكر بآيات الله سواء كان ممن يؤمن بالحشر كالمؤمنين من أهل الكتاب أو ممن لا يؤمن به كالوثنيين وغيرهم لكنه يحتمله فيغشى الخوف نفسه بالاحتمال أو المظنة فإن الخوف من شيء يتحقق بمجرد احتمال وجوده وإن لم يوقن بتحققه.
وقد اختلفت أنظار المفسرين في الآية فمن قائل : إن الآية نزلت في المؤمنين القائلين بالحشر ، وأنهم هم الذين عنوا في الآية التالية بقوله : « وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ ». ومن قائل : إنها نزلت في طائفة من المشركين الوثنيين يجوزون الحشر بعد الموت وإن لم يثبت وجود القائل بهذا القول بين مشركي مكة أو العرب يوم نزول السورة مع كون خطابات السورة متوجهة إلى المشركين من قريش أو العرب بحسب السياق. ، ومن قائل : إن المراد بهم كل معترف بالحشر من مسلم أو كتابي ، وإنما خص هؤلاء المعترفون بالأمر بالإنذار مع أن وجوب الإنذار عام لجميع الخلق لأن الحجة أوجب عليهم لاعترافهم بالمعاد.
لكن الآية لم تأخذ في وصفهم إلا الخوف من الحشر ، ولا يتوقف الخوف من الشيء على العلم بتحققه ولا الاعتراف بوجوده بل الشك ـ وهو الاحتمال المتساوي طرفاه ـ والمظنة وهي الإدراك الراجح على ما له من المراتب يجامع الخوف كالعلم وهو ظاهر.
فالآية إنما تحرض النبي صلىاللهعليهوآله على إنذار كل من شاهد في سيماه علائم الخوف من أي طائفة كان لأن بناء الدعوة الدينية على أساس الحشر وإقامة المحاسبة على السيئة والحسنة والمجازاة عليهما ، وأدنى ما يرجى من تأثير الدعوة الدينية في واحد أن يجوزه فيخافه ، وكلما ازداد احتمال وقوعه ازداد الخوف وقوي التأثير حتى يتلبس باليقين وينتفي احتمال الخلاف بالكلية ، فهناك التأثير التام.
قوله تعالى : « وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ » إلى آخر الآية ظاهر السياق على ما يؤيده ما في الآية التالية : « وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ » إلخ ، أن المشركين من قومه صلىاللهعليهوآله اقترحوا عليه أن يطرد عن نفسه الضعفاء المؤمنين به فنهاه الله تعالى في هذه الآية عن ذلك.
وذلك منهم نظير ما اقترحه المستكبرون من سائر الأمم من رسلهم أن يطردوا عن أنفسهم الضعفاء والفقراء من المؤمنين استكبارا وتعززا ، وقد حكى الله تعالى ذلك