الذي يحاسب أعمالهم ليجازيهم حتى إذا لم يرتض أمرهم وكره مجاورتهم طردهم عن نفسه أو يكونوا هم الذين يحاسبون أعماله حتى إذا خاف مناقشتهم أو سوء مجازاتهم أو كرههم استكبارا واستعلاء عليهم طردهم ، وعلى هذا فكل من الجملتين : « ما عَلَيْكَ » إلخ ، « وما عليهم » إلخ ، مقصودة في الكلام مستقلة.
وربما أمكن أن يستفاد من قوله : « ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » نفي أن يحمل عليه حسابهم أي أعمالهم المحاسبة حتى يستثقله وذلك بإيهام أن للعمل ثقلا على عامله أو من يحمل عليه فالمعنى ليس شيء من ثقل أعمالهم عليك ، وعلى هذا فاستتباعه بقوله : « وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ » ـ ولا حاجة إليه لتمام الكلام بدونه ـ إنما هو لتتميم أطراف الاحتمال وتأكيد مطابقة الكلام ، ومن الممكن أيضا أن يقال : إن مجموع الجملتين أعني قوله : « ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ » كناية عن نفي الارتباط بين النبي صلىاللهعليهوآله وبينهم من حيث الحساب.
وربما قيل : إن المراد بالحساب حساب الرزق دون حساب الأعمال والمراد : ليس عليك حساب رزقهم ، وإنما الله يرزقهم وعليه حساب رزقهم ، وقوله : « وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ » إلخ ، جيء به تأكيدا لمطابقة الكلام على ما تقدم في الوجه السابق ، والوجهان وإن أمكن توجيههما بوجه لكن الوجه هو الأول.
وقوله : « فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ » الدخول في جماعة الظالمين متفرع على طردهم أي طرد الذين يدعون ربهم فنظم الكلام بحسب طبعه يقتضي أن يفرع قوله : « فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ » ، على قوله في أول الآية : « وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ » إلخ ، إلا أن الكلام لما طال بتخلل جمل بين المتفرع والمتفرع عليه أعيد لفظ الطرد ثانيا في صورة الفرع ليتفرع عليه قوله : « فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ » بنحو الاتصال ويرتفع اللبس.
فلا يرد عليه أن الكلام مشتمل على تفريع الشيء على نفسه فإن ملخصه : ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتطردهم ، وذلك أن إعادة الطرد ثانيا لإيصال الفرع أعني قوله : « فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ » ، إلى أصله كما عرفت.
قوله تعالى : « وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا » إلى آخر الآية ، الفتنة هي