الامتحان ، والسياق يدل على أن الاستفهام في قوله : « أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا » للتهكم والاستهزاء ، ومعلوم أنهم لا يسخرون إلا ممن يستحقرون أمره ويستهينون موقعه من المجتمع ، ولم يكن ذلك إلا لفقرهم ومسكنتهم وانحطاط قدرهم عند الأقوياء والكبرياء منهم.
فالله سبحانه يخبر نبيه أن هذا التفاوت والاختلاف إنما هو محنة إلهية يمتحن بها الناس ليميز به الكافرين من الشاكرين ، فيقول أهل الكفران والاستكبار في الفقراء المؤمنين : ( أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا ) فإن السنن الاجتماعية عند الناس توصف بما عند المستن بها من الشرافة والخسة ، وكذا العمل يوزن بما لعامله من الوزن الاجتماعي فالطريقة المسلوكة عند الفقراء والأذلاء والعبيد يستذلها الأغنياء والأعزة ، والعمل الذي أتى به مسكين أو الكلام الذي تكلم به عبد أو أسير مستذلا لا يعتني به أولو الطول والقوة.
فانتحال الفقراء والأجراء والعبيد بالدين ، واعتناء النبي بهم وتقريبه إياهم من نفسه كالدليل عند الطغاة المستكبرين من أهل الاجتماع على هوان أمر الدين وأنه دون أن يلتفت إليه من يعتني بأمره من الشرفاء والأعزة.
وقوله تعالى : « أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ » جواب عن استهزائهم المبني على الاستبعاد ، بقولهم : « أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا » ومحصله أن هؤلاء شاكرون لله دونهم ولذلك قدم هؤلاء لمنه وأخرهم فكنى سبحانه عن ذلك بأن الله أعلم بالشاكرين لنعمته أي إنهم شاكرون ، ومن المسلم أن المنعم إنما يمن وينعم على من يشكر نعمته وقد سمى الله تعالى توحيده ونفي الشريك عنه شكرا في قوله حكاية عن قول يوسف عليهالسلام : « ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ » ( يوسف : ٣٨ ).
فالآية تبين أنهم بجهالتهم يبنون الكرامة والعزة على التقدم في زخارف الدنيا من مال وبنين وجاه ، ولا قدر لها عند الله ولا كرامة ، وإنما الأمر يدور مدار صفة الشكر والنعمة بالحقيقة هي الولاية الإلهية.
قوله تعالى : « وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ » إلى آخر الآية ،