قد تقدم معنى السلام ، والمراد بكتابته الرحمة على نفسه إيجابها على نفسه أي استحالة انفكاك فعله عن كونه معنونا بعنوان الرحمة ، والإصلاح هو التلبس بالصلاح فهو لازم وإن كان بحسب الحقيقة متعديا وأصله إصلاح النفس أو إصلاح العمل.
والآية ظاهرة الاتصال بالآية التي قبلها يأمر الله سبحانه فيها نبيه صلىاللهعليهوآله ـ بعد ما نهاه عن طرد المؤمنين عن نفسه ـ أن يتلطف بهم ويسلم عليهم ويبشر من تاب منهم عن سيئة توبة نصوحا بمغفرة الله ورحمته فتطيب بذلك نفوسهم ويسكن طيش قلوبهم.
ويتبين بذلك أولا : أن الآية ـ وهي من آيات التوبة ـ إنما تتعرض للتوبة عن المعاصي والسيئات دون الكفر والشرك بدليل قوله : « مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ » أي المؤمنين بآيات الله.
وثانيا : أن المراد بالجهالة ما يقابل الجحود والعناد اللذين هما من التعمد المقابل للجهالة فإن من يدعو ربه بالغداة والعشي يريد وجهه وهو مؤمن بآيات الله لا يعصيه تعالى استكبارا واستعلاء عليه بل لجهالة غشيته باتباع هوى في شهوة أو غضب.
وثالثا : أن تقييد قوله : « تابَ » بقوله : « وَأَصْلَحَ » للدلالة على تحقق التوبة بحقيقتها فإن الرجوع حقيقة إلى الله سبحانه واللواذ بجنابه لا يجامع لطهارة موقفه التقذر بقذارة الذنب الذي تطهر منه التائب الراجع ، وليست التوبة قول : « أتوب إلى الله » قولا لا يتعدى من اللسان إلى الجنان ، وقد قال تعالى : « وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ » : ( البقرة : ٢٨٤ ).
ورابعا : أن صفاته الفعلية كالغفور والرحيم يصح تقييدها بالزمان حقيقة فإن الله سبحانه وإن كتب على نفسه الرحمة لكنها لا تظهر ولا تؤثر أثرها إلا إذا عمل بعض عباده سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح.
وقد تقدم في الكلام على قوله تعالى : « إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ » إلى آخر الآيتين ( النساء : ١٧ ) في الجزء الرابع من الكتاب ما له تعلق بالمقام.
قوله تعالى : « وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ » تفصيل الآيات بقرينة المقام شرح المعارف الإلهية وتخليصها من الإبهام والاندماج ، وقوله : « وَلِتَسْتَبِينَ