فإن الآية لا تشتمل بمضمونها على حكم خاص تختص به أمة دون أمة كالأحكام الفرعية التشريعية التي ربما تختص بزمان دون زمان ، وأما الإيمان بما له من الأثر على مراتبه ، وكذا الظلم على مراتبه بما لها من سوء الأثر في الإيمان فإنما ذلك أمر مودع في الفطرة الإنسانية لا يختلف باختلاف الأزمنة والأمم.
وقال بعض المفسرين في توجيه الحديث : لعل مراده أن الله خص إبراهيم وقومه بأمن موحدهم من عذاب الآخرة مطلقا لا أمن الخلود فيه فقط ، ولعل سبب هذا ـ إن صح ـ أن الله تعالى لم يكلف قوم إبراهيم شيئا غير التوحيد اكتفاء بتربية شرائعهم المدنية الشديدة لهم في الأحوال الشخصية والأدبية وغيرها.
وقد عثر الباحثون على شرائع حمورابي الملك الصالح الذي كان في عهد إبراهيم وباركه وأخذ منه العشور ـ كما في سفر التكوين ـ فإذا هي كالتوراة في أكثر أحكامها وأما فرض الله الحج على لسان إبراهيم فقد كان في قوم ولده إسماعيل لا في قومه الكلدانيين وأما هذه الأمة فإن من موحديها من يعذبون بالمعاصي على قدرها لأنهم خوطبوا بشريعة كاملة يحاسبون على إقامتها ، انتهى.
وفي كلامه من التحكم ما لا يخفى فقد تقدم أن الملك حمورابي هذا كان يعيش على رأس سنة ألف وسبعمائة قبل المسيح ، وإبراهيم كان يعيش على رأس الألفين قبل المسيح تقريبا كما ذكره.
وحمورابي هذا وإن كان ملكا صالحا في دينه عادلا في رعيته ملتزما العمل بقوانين وضعها وعمل بإجرائها في مملكته أحسن إجراء وإنفاذ ، وهي أقدم القوانين المدنية الموضوعة على ما قيل إلا أنه كان وثنيا ، وقد استمد بعده من آلهة الوثنيين في ما كتبه بعد الفراغ عن كتابة شريعته على ما عثروا عليه في الآثار المكشوفة في خرائب بابل ، والآلهة التي ذكرها في بيانه الموضوع في ختام القانون ، وشكرها في أن آتته الملك العظيم ووفقته لبسط العدل ووضع الشريعة ، واستعان بها واستمد منها في حفظ شريعته عن الزوال والتحريف هي « ميروداخ » إله الآلهة ، وأي إله القانون والعدل والإله « زماما » والإله « إشتار » إله الحرب و « شاماش » الإله القاضي في السماء والأرض و « سين » إله السماوات ، و « حاداد » إله الخصب و « نيرغال » إله النصر و « بل » إله القدر والآلهة « بيلتيس » والآلهة « نينو »