يتعرض لشأن إبراهيم وإسماعيل عليهالسلام إلا كما يتعرض لشأن سائر الرسل من أنهم كانوا على دين التوحيد ينذرون الناس ويدعونهم إلى الله سبحانه من غير أن يذكر بناءه الكعبة وصلته بإسماعيل وكونهما داعيين للعرب إلى دين الفطرة والملة الحنيفية. لكن السور المدينة كالبقرة والحج وغيرهما تذكر إبراهيم وإسماعيل متصلين اتصال الأبوة والبنوة وأبوين للعرب مشرعين لها دين الإسلام بانيين للكعبة البيت الحرام.
وسر هذا الاختلاف أن محمدا كان قد اعتمد على اليهود في مكة فما لبثوا أن اتخذوا حياله خطة عداء فلم يكن له بد أن التمس غيرهم ناصرا. هناك هداه ذكاء مسدد إلى شأن جديد لأبي العرب إبراهيم وبذلك استطاع أن يخلص من يهودية عصره ليصل حبلة بيهودية إبراهيم فعده أبا للعرب مشيدا لدينهم الإسلام بانيا لبيتهم المقدس الذي في مكة لما أن هذه المدينة كانت تشغل جل تفكيره. انتهى ملخصا.
وقد أزرى المستشكل على نفسه بهذه الفرية التي نسبها إلى الكتاب العزيز الذي له شهرته العالمية التي لا يتحجب معها على شرقي ولا غربي فكل باحث متدبر يشاهد أن القرآن الكريم لم يداهن مشركا ولا يهوديا ولا نصرانيا ولا غيرهم في سورة مكية ولا مدنية ولم يختلف لحن قوله في تخطئة اليهود ولا غيرهم بحسب مكية السور ومدنيتها.
غير أن الآيات القرآنية لما نزلت نجوما بحسب وقوع الحوادث المرتبطة بالدعوة الدينية ، وكان الابتلاء بأمر اليهود بعد الهجرة كان التعرض لشئونهم والإبانة عن التشديد في حقهم لا محالة في الآيات النازلة في تضاعيف السور المدنية كتفاصيل الأحكام المشرعة التي أنزلت فيها حسب مسيس الحاجة بحدوث الحوادث.
وأما ما ذكراه من اختصاص حديث اتصال إسماعيل بإبراهيم عليهالسلام وبناء الكعبة وتأسيس الدين الحنيف بالسور المدنية فيكذبه قوله تعالى في سورة إبراهيم وهي مكية فيما حكاه من دعاء إبراهيم عليهالسلام : « وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ـ إلى أن قال ـ رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ـ إلى أن قال ـ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ » : ( إبراهيم : ٣٩ ) وقد مر نظيره في الآيات المنقولة من سورة الصافات آنفا المنبئة عن قصة الذبيح.