وأما ما ذكراه من يهودية إبراهيم عليهالسلام فإن القرآن يرده بقوله تعالى : « يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ـ إلى أن قال ـ ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » ( آل عمران : ٦٧ ).
الإشكال الثاني : أن الصابئين وهم عبدة الكواكب الذين يذكر القرآن تعرض إبراهيم عليهالسلام لآلهتهم بقوله : « فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي » إلى آخر الآيات إنما كانوا بمدينة حران التي هاجر إليها إبراهيم عليهالسلام من بابل أو من « أور » ولازمه أن يكون حجاجه عبدة الكواكب بعد مدة من حجاجه عبدة الأصنام وكسره الأصنام ودخوله النار ، ولا يلائم ذلك ما هو ظاهر الآيات أن قصة الحجاج مع عبدة الأصنام والكواكب وقعت جميعا في يومين عند أول شخوصه إلى أبيه وقومه كما تقدم بيانه.
أقول : وهذا في الحقيقة إشكال على التفسير الذي تقدم إيراده في بيان الآيات لا على أصل الكتاب.
ومع ذلك ففيه غفلة عما يثبته التاريخ ويعطيه الاعتبار الصحيح أما الاعتبار فإن المملكة التي ينتحل في بعض بلاده العظيمة بدين من الأديان الشائعة المعروفة كالصابئية التي كانت يومئذ من الأديان المعروفة في الدنيا لا يخلو من شيوع في سائر بلادها ووجود جماعة من منتحليه منتشرة في أقطارها.
وأما التاريخ فقد ذكر شيوعه كشيوع الوثنية ببابل ووجود معابد كثيرة فيها بنيت على أسماء الكواكب وأصنام لها منصوبة فيها فقد جاء في تاريخ أرض بابل وما والاها ذكر بناء معبد إله الشمس وإله القمر في حدود سنة ثلاثة آلاف ومائتين قبل المسيح ، وفي نصب شريعة حمورابي ذكر إله الشمس وإله القمر وهو مما يقرب زمن الخليل إبراهيم عليهالسلام.
وقد تقدم فيما نقلناه من كتاب الآثار الباقية لأبي ريحان البيروني (١) : أن يوذاسف ظهر عند مضي سنة من ملك طهمورث بأرض الهند ، وأتى بالكتابة الفارسية ، ودعا إلى
__________________
(١) في بحث تاريخي في ذيل الآية ٦٢ من سورة البقرة.