شاء وأراد ، وقد اتصف سبحانه بصفة الرحمة وهي رفع حاجة كل محتاج وإيصال كل شيء إلى ما يستحقه وإفاضته عليه وعدة من عباده ومنهم الإنسان صالحون لحياة خالدة مستعدون لأن يسعدوا فيها فهو بمقتضى ملكه ورحمته سيتصرف فيهم بحشرهم وإعطائهم ما يستحقونه البتة.
فقوله تعالى : « قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » إلخ ، يتضمن إحدى مقدمات الحجة وقوله : « كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » يتضمن مقدمة أخرى ، وقوله : « وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ » إلخ ، مقدمة أخرى ثالثة بمنزلة الجزء من الحجة.
فقوله تعالى : « قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » إلخ ، يأمر النبي صلىاللهعليهوآله أن يسألهم عمن يملك السماوات والأرض وله التصرف فيها بما شاء من غير مانع يمنعه ، وهو الله سبحانه من غير شك لأن غيره حتى الأصنام وأرباب الأصنام التي يدعوها المشركون هي كسائر الخلقة ينتهي خلقها وأمرها إليه تعالى فهو المالك لما في السماوات والأرض جميعا.
ولكون المسئول عنه معلوما بينا عند السائل والمسئول جميعا والخصم معترف به لم يحتج إلى صدور الجواب عن الخصم واعترافه به بلسانه ، وأمر النبي صلىاللهعليهوآله أن يذكر هو الجواب ويتكفل ذلك لتتم الحجة من غير انتظار ما لجوابهم.
والسؤال عن الخصم ، ومباشرة السائل بنفسه الجواب كلاهما من السلائق البديعة الدائرة في سرد الحجج ، يقول المنعم لمن أنعم عليه فكفر بنعمته : من الذي أطعمك وسقاك وكساك؟ أنا الذي فعل ذلك بك ومن بها عليك وأنت تجازيني بالكفر.
وبالجملة ثبت بهذا السؤال والجواب أن الله سبحانه هو المالك على الإطلاق فله التصرف فيها بما شاء من إحياء ورزق وإماتة وبعث بعد الموت من غير أن يمنعه من ذلك مانع كدقة في العمل وموت وغيبة واختلال وغير ذلك. وبهذا تمت إحدى مقدمات الحجة فألحقها المقدمة الأخرى وهي قوله : ( كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ).
قوله تعالى : « كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » الكتابة هو الإثبات والقضاء الحتم ، وإذ كانت الرحمة ـ وهي إفاضة النعمة على مستحقها وإيصال الشيء إلى سعادته التي تليق به ـ