من صفاته تعالى الفعلية صح أن ينسب إلى كتابته تعالى ، والمعنى : أوجب على نفسه الرحمة وإفاضة النعم وإنزال الخير لمن يستحقه.
ونظيره في نسبة الفعل إلى الكتابة ونحوها قوله تعالى : « كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي » : ( المجادلة : ٢١ ) وقوله : « فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ » : ( الذاريات : ٢٣ ) وأما صفات الذات كالحياة والعلم والقدرة فلا تصح نسبتها إلى الكتابة ونحوها البتة لا يقال : كتب على نفسه الحياة والعلم والقدرة.
ولازم كتابة الرحمة على نفسه ـ كما تقدم ـ أن يتم نعمته عليهم بجمعهم ليوم القيامة ليجزيهم بأقوالهم وأعمالهم فيفوز به المؤمنون ويخسر غيرهم.
ولذلك ذيل بقوله وهو كالنتيجة في الحجة : ( لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ ) فأكد المعنى بأبلغ التأكيد : لام القسم ونون التأكيد وقوله : ( لا رَيْبَ فِيهِ ).
ثم أشار إلى أن الربح في هذا اليوم للمؤمنين والخسران على غيرهم فقال : « الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ».
والحجة التي أقيمت في هذه الآية على المعاد غير ما أقيمت من الحجتين عليه في قوله تعالى : « وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ، أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » : ( ـ ص : ٢٨ ) فإن الآيتين تقيمان الحجة على المعاد من جهة أن فعله تعالى ليس بباطل بل له غاية ، ومن جهة أن التسوية بين المؤمن والكافر والمتقي والفاجر ظلم لا يليق به تعالى ، وهما في الدنيا لا يتميزان فلا بد من نشأة أخرى يتميزان فيها بالسعادة والشقاوة ، وهذا غير ما في هذه الآية من السلوك إلى المطلوب من طريق الرحمة.
قوله تعالى : « وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » السكون في الليل والنهار هو الوقوع في ظرف هذا العالم الطبيعي الذي يدبر أمره بالليل والنهار ، ويجري نظامه بغشيان النور الساكب من شمس مضيئة ، وعمل التحولات النورية فيه بالقرب والبعد والكثرة والقلة والحضور والغيبة والمسامتة وغيرها.
فالليل والنهار هما المهد العام يربى فيه العناصر الكلية ومواليدها تربية تسوق كل جزء من أجزائها وكل شخص من أشخاصها إلى غايته التي قدرت له ، وتكملها روحا وجسما.