زمانا وكفه عن التكلم ثم جرى في كلامه وأشار إلى وجه سكوته ، وأن حيرة التعجب كان هو المانع عن جريه في كلامه فقال : ( الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ).
قوله تعالى : « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً » يشير إلى خلقه العالم الإنساني الصغير بعد الإشارة إلى خلق العالم الكبير فيبين أن الله سبحانه هو الذي خلق الإنسان ودبر أمره بضرب الأجل لبقائه الدنيوي ظاهرا فهو محدود الوجود بين الطين الذي بدأ منه خلق نوعه وإن كان بقاء نسله جاريا على سنة الازدواج والوقاع كما قال تعالى : « وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » : ( السجدة : ـ ٨ ).
وبين الأجل المقضي الذي يقارن الموت كما قال تعالى : « كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ » : ( العنكبوت : ـ ٥٧ ) ومن الممكن أن يراد بالأجل ما يقارن الرجوع إلى الله سبحانه بالبعث فإن القرآن الكريم كأنه يعد الحياة البرزخية من الدنيا كما يفيده ظاهر قوله تعالى : « قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ، قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ ، قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » : ( المؤمنون ـ ١١٤ ) ، وقال أيضا : « وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ، ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ ، وقال الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » : ( الروم : ـ ٥٦ ).
وقد أبهم أمر الأجل بإتيانه منكرا في قوله : « ثُمَّ قَضى أَجَلاً » للدلالة على كونه مجهولا للإنسان لا سبيل له إلى المعرفة به بالتوسل إلى العلوم العادية.
قوله تعالى : « وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ » تسمية الأجل تعيينه فإن العادة جرت في العهود والديون ونحو ذلك بذكر الأجل وهو المدة المضروبة أو آخر المدة باسمه ، وهو الأجل المسمى ، قال تعالى : « إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ » : ( البقرة : ـ ٢٨٢ ) وهو الأجل بمعنى آخر المدة المضروبة ، وكذا قوله تعالى : « مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ » : ( العنكبوت : ـ ٥ ) وقال تعالى في قصة موسى وشعيب : « قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ـ إلى أن قال ـ قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ » : ( القصص ـ ٢٨ ) وهو الأجل بمعنى تمام المدة المضروبة.