ومن يظهر أن افتراء الكذب على الله وإن كان يعم كل بدعة في الدين أصوله وفروعه غير أن المورد هو الشرك بالله باتخاذ آلهة دون الله ، ويدل عليه ما سيأتي من قوله : قالوا أينما كنتم تدعون من دون الله.
قوله تعالى : أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا إلى آخر الآية. المراد بالكتاب ما قضي وكتب أن يصيب الانسان من مقدرات الحياة من عمر ومعيشة وغنى وصحة ومال وولد وغير ذلك ، والدليل عليه تقييده بقوله : حتى إذا جاءتهم رسلنا الخ ، والمراد به أجل الموت ومن المعلوم أنه غاية للحياة الدنيا بجميع شؤونها ومقارناتها.
والمراد بالنصيب من الكتاب السهم الذي يختص كل واحد منهم من مطلق ما كتب له ولغيره ، وفي جعل النصيب من الكتاب هو الذي ينالهم ، والامر منعكس بحسب الظاهر دلالة على أن النصيب الذي فرض للانسان وقضي له من الله سبحانه لم يكن ليخطئه البتة وما لم يفرض له لم يكن ليصيبه البتة.
والمعنى : أولئك الذين كذبوا على الله بالشرك أو كذبوا بآياته بالرد لجميع الدين أو شطر منه ينالهم نصيبهم من الكتاب ، ونصيبهم ما قضي في حقهم من الخير والشر في الحياة الدنيا حتى إذا قضوا أجلهم وجاءتهم رسلنا من الملائكة وهم ملك الموت وأعوانه نزلوا عليهم وهم يتوفونهم ويأخذون أرواحهم ونفوسهم من أبدانهم سألوهم وقالوا : أين ما كنتم تدعون من دون الله من الشركاء الذين كنتم تدعون انهم شركاء الله فيكم وشفعاؤكم عنده؟ قالوا ضلوا عنا وإنما ضلت أوصافهم ونعوتهم ، وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بمعاينة حقيقة الامر أن غير الله سبحانه لا ينفع ولا يضر شيئا ، وقد أخطأوا في نسبة ذلك إلى أوليائهم.
وفي مضمون الآية جهات من البحث تقدمت في نظيرة الآية من سورة الأنعام وغيرها
قوله تعالى : قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس الخطاب من الله سبحانه دون الملائكة وإن كانوا في وسائط في التوفي وغيره ، والمخاطبون بحسب سياق اللفظ هم بعض الكفار وهم الذين وفيت قبلهم أمم من الجن والإنس إلا أن الخطاب في معنى : ادخلوا فيما دخل فيه سابقوكم ولاحقوكم وإنما نظم الكلام هذا