الغلالة وهي الثوب المتوسط بين الدثار والشعار ، وغل الصدور من أعظم ما ينغص عيش الانسان ، وما من إنسان يعاشر أنسانا ويأتلف به إلا وائتلافه مشروط بأن يوافقه فيما يراه ويريده فإذا شاهد من حاله ما لا يرتضيه جأش صدره بالغل وراحت الألفة وتنغصت العيشة فإذا ذهب الله سبحانه بغل الصدور لم يسؤ الانسان ما يشاهده من أليفه على الاطلاق وهي اللذة الكبرى وفي قوله : تجري من تحتهم الأنهار إشارة إلى أنهم ساكنون في قصورها العالية.
قوله تعالى : وقالوا الحمد لله الذي هدانا ـ إلى قوله ـ بالحق في نسبة التحميد إليهم دلالة على أن الله سبحانه يخلصهم لنفسه فلا يوجد عندهم اعتقاد باطل ولا عمل سئ كما قال تعالى : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما الواقعة ٢٦ ، فيصح منهم تحميد الله سبحانه ويقع توصيفهم موقعه فليس توصيفه تعالى بحيث يصيب غرضه ويقع موقعه بذلك المبتذل حتى يناله كل نائل ، قال تعالى : سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين الصافات : ١٦٠ ، وقد تقدم القول في معنى الحمد وخصوصية حمده تعالى في تفسير سورة الحمد.
وفي قولهم : هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله إشارة إلى اختصاص الهداية به تعالى فليس إلى الانسان من الامر شئ.
وفي قولهم : لقد جاءت رسل ربنا بالحق اعتراف بحقية ما وعدهم الله تعالى بلسان أنبيائه ، وهو الذي يأخذون الاعتراف به من أصحاب النار على ما تقصه الآية التالية ، وفي هذا الاعتراف وسائر الاعترافات المأخوذة من الفريقين يوم القيامة من قبل مصدر العظمة والكبرياء ظهور منه تعالى بالقهر وتمام الربوبية ، ويكون ذلك من أهل الجنة شكرا ، ومن أهل النار تماما للحجة.
واعتراف أهل الجنة بحقية ما وعدهم الله سبحانه بواسطة رسله هو من الحقائق العالية القرآنية وإن كان بحسب ساذج النظر معنى بسيطا مبتذلا ، ولعلنا نوفق لشطر من البحث فيه في ذيل الكلام على هذه الآيات.
قوله تعالى : ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون في الإشارة بلفظ البعيد ـ تلكم إشارة إلى رفعة قدر الجنة وعلو مكانها فإن ظاهر السياق ـ كما