قوله تعالى : « إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ » سيأتي البحث في معنى السماء والأيام الستة التي خلقتا فيها في تفسير سورة حم السجدة إن شاء الله.
قوله تعالى : « ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ـ إلى قوله ـ بِأَمْرِهِ » ـ الاستواء ـ الاعتدال على الشيء والاستقرار عليه ، وربما استعمل بمعنى التساوي ، يقال : استوى زيد وعمرو أي تساويا قال تعالى : « لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ ».
و ـ العرش ـ ما يجلس عليه الملك وربما كني به عن مقام السلطنة ، قال الراغب في المفردات : العرش في الأصل شيء مسقف ، وجمعه عروش قال : « وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها » ومنه قيل : عرشت الكرم وعرشتها إذا جعلت له كهيئة سقف. قال : والعرش شبه هودج للمرأة تشبيها في الهيئة بعرش الكرم ، وعرشت البئر جعلت له عريشا ، وسمي مجلس السلطان عرشا اعتبارا بعلوه. قال : وعرش الله ما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم ، وليس كما يذهب إليه أوهام العامة فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له ـ تعالى عن ذلك ـ لا محمولا والله تعالى يقول : « إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ » ، وقال قوم : هو الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب ، واستدل بما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما السماوات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسي ـ إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة ـ والكرسي عند العرش كذلك( انتهى ).
وقد استقرت العادة منذ القديم أن يختص العظماء من ولاة الناس وحكامهم ومصادر أمورهم من المجلس بما يختص بهم ويتميزون به عن غيرهم كالبساط والمتكإ حتى آل الأمر إلى إيجاد السرر والتخوت فاتخذ للملك ما يسمى عرشا وهو أعظم وأرفع وأخص بالملك ، والكرسي يعمه وغيره ، واستدعى التداول والتلازم أن يعرف الملك بالعرش كما كان العرش يعرف بالملك في أول الأمر فصار العرش حاملا لمعنى الملك ممثلا لمقام السلطنة إليه يرجع وينتهي ، وفيه تتوحد أزمة المملكة في تدبير أمورها وإدارة شئونها.
واعتبر لاستيضاح ذلك مملكة من الممالك قطنت فيها أمة من الأمم لعوامل طبيعية أو اقتصادية أو سياسية استقلوا بذلك في أمرهم وتميزوا من غيرهم فأوجدوا مجتمعا من المجتمعات الإنسانية واختلطوا وامتزجوا بالأعمال ونتائجها ثم اقتسموا في