التمتع بالنتائج فاختص كل بشيء منها على قدر زنته الاجتماعية.
كان من الواجب أن تحفظ هذه الوحدة والاتصال المتكون بالاجتماع بمن يقوم عليها فإن التجربة القطعية أوضحت للإنسان أن العوامل المختلفة والأعمال والإرادات المتشتتة إذا وجهت نحو غرض واحد وسيرت في مسير واحد لم تدم على نعت الاتحاد والملاءمة إلا أن تجمع أزمة الأمور المختلفة في زمام واحد وتوضع في يد من يحفظه ويديم حياته بالتدبير الحسن فتحيا به الجميع وإلا فسرعان ما تتلاشى وتتشتت.
ولذلك ترى أن المجتمع المترقي ينوع الأعمال الجزئية نوعا نوعا ثم يقدم زمام كل نوع إلى كرسي من الكراسي كالدوائر والمصالح الجزئية المحلية ، ثم ينوع أزمة الكراسي فيعطي كل نوع كرسيا فوق ذلك ، وعلى هذا القياس حتى ينتهي الأمر إلى زمام واحد يقدم إلى العرش ويهدى لصاحب العرش.
ومن عجيب أمر هذا الزمام وانبساطه وسعته في عين وحدته أن الأمر الواحد الصادر من هذا المقام يسير في منازل الكراسي التابعة له على كثرتها واختلاف مراتبها فيتشكل في كل منزل بشكل يلائمه ويعرف فيه ، ويتصور لصاحبه بصورة ينتفع بها ويأخذها ملاكا لعمله. يقول مصدر الأمر « ليجر الأمر » فتأخذه المصالح المالية تكليفا ماليا ومصالح السياسية تكليفا سياسيا ، ومصالح الجيش تكليفا دفاعيا وعلى هذا القياس كلما صعد أو نزل.
فجميع تفاصيل الأعمال والإرادات والأحكام المجراة فيها المنبسطة في المملكة وهي لا تحصى كثرة أو لا تتناهى لا تزال تتوحد وتجتمع في الكراسي حتى تنتهي إلى العرش فتتراكم عنده بعضها على بعض وتندمج وتتداخل وتتوحد حتى تصير واحدا هو في وحدته كل التفاصيل فيما دون العرش ، وإذا سار هذا الواحد إلى ما دونه لم يزل يتكثر ويتفصل حتى ينتهي إلى أعمال أشخاص المجتمع وإراداتهم.
هذا في النظام الوضعي الاعتبار الذي عندنا ، وهو لا محالة مأخوذ من نظام التكوين ، والباحث عن النظام الكوني يجد أن الأمر فيه على هذه الشاكلة ، فالحوادث الجزئية تنتهي إلى علل وأسباب جزئية ، وتنتهي هي إلى أسباب أخرى كلية حتى تنتهي الجميع إلى الله سبحانه غير أن الله سبحانه مع كل شيء وهو محيط بكل شيء ، وليس