بمنعدمين من أصلهم فإن أنفسهم وأرواحهم باقية محفوظة وإن تغيرت أبدانهم ، كما أن النبات يتغير ما على وجه الأرض منها ويبقى ما في أصله من الروح الحية على انعزال من النشوء والنماء ثم تعود إليه حياته الفعالة كذلك يخرج الله الموتى فما إحياء الموتى في الحشر الكلي يوم البعث إلا كإحياء الأرض الميتة في بعثه الجزئي العائد كل سنة ، وللكلام ذيل سيوافيك في محل آخر إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ » إلى آخر الآية. النكد القليل. والآية بالنظر إلى نفسها كالمثل العام المضروب لترتب الأعمال الصالحة والآثار الحسنة على الذوات الطيبة الكريمة كخلافها على خلافها كما تقدم في قوله : « كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ » لكنها بانضمامها إلى الآية السابقة تفيد أن الناس وإن اختلفوا في قبول الرحمة فالاختلاف من قبلهم والرحمة الإلهية عامة مطلقة.
بحث روائي
لم ينقل عن طبقة الصحابة بحث حقيقي عن مثل العرش والكرسي وسائر الحقائق القرآنية وحتى أصول المعارف كمسائل التوحيد وما يلحق بها بل كانوا لا يتعدون الظواهر الدينية ويقفون عليها ، وعلى ذلك جرى التابعون وقدماء المفسرين حتى نقل عن سفيان بن عيينة أنه قال « : كلما وصف الله من نفسه في كتابه ـ فتفسيره تلاوته والسكوت عليه ، وعن الإمام مالك أن رجلا قال له : يا أبا عبد الله ـ « اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ » ، كيف استوى؟ قال الراوي : فما رأيت مالكا ـ وجد من شيء كموجدته من مقالته ـ وعلاه الرحضاء يعني العرق وأطرق القوم. قال : فسري عن مالك فقال : الكيف غير معقول : والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وإني أخاف أن تكون ضالا ، وأمر به فأخرج.
وكأن قوله : الكيف غير معقول إلخ ، مأخوذ عما روي (١) عن أم سلمة أم المؤمنين »* في قوله تعالى : « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » قالت : الكيف غير معقول ، والاستواء
__________________
(١) رواه في الدر المنثور عن ابن مردويه واللالكائي في السنة عنها.