يعبد الرب أو الأرباب من أحدهما وهما طريق الخوف وطريق الرجاء فإن قوما كانوا يتخذون الأرباب خوفا فيعبدونهم ليسلموا من شرورهم ، وكان قوما يتخذون الأرباب طمعا فيعبدونهم لينالوا خيرهم وبركتهم لكن العبادة عن محض الخوف ربما ساق الإنسان إلى اليأس والقنوط فدعاه إلى ترك العبادة ، وقد شوهد ذلك كثيرا ، والعبادة عن محض الطمع ربما قاد إلى استرسال الوقاحة وزوال زي العبودية فدعاه إلى ترك العبادة ، وقد شوهد أيضا كثيرا فجمع سبحانه بينهما ودعا إلى الدعاء باستعمالهما معا فقال : « وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً » ليصلح كل من الصفتين ما يمكن أن تفسده الأخرى ، وفي ذلك وقوع في مجرى الناموس العام الجاري في العالم أعني ناموس الجذب والدفع.
وقد سمى الله سبحانه هذا الاعتدال في العبادة والتجنب عن إفساد الأرض بعد إصلاحها إحسانا وبشر المجيبين لدعوته بأنهم يكونون حينئذ محسنين فتقرب منهم رحمته إن رحمة الله قريب من المحسنين.
ولم يقل : رحمة الله قريبة ، قيل : لأن الرحمة مصدر يستوي فيه الوجهان ، وقيل : لأن المراد بالرحمة الإحسان ، وقيل : لأن قريب فعيل بمعنى المفعول فيستوي فيه المذكر والمؤنث ونظيره قوله تعالى : « لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ » : الشورى : ١٧.
قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ » إلى آخر الآية وفي الآية بيان لربوبيته تعالى من جهة العود كما أن في قوله : « إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ » الآية بيانا لها من جهة البدء.
وقوله : « بُشْراً » وأصله البشر بضمتين جمع بشير كالنذر جمع نذير ، والمراد بالرحمة المطر ، وقوله : « بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ » أي قدام المطر ، وفيه استعارة تخييلية بتشبيه المطر بالإنسان الغائب الذي ينتظره أهله فيقدم وبين يديه بشير يبشر بقدومه.
والإقلال الحمل ، والسحاب والسحابة الغمام والغمامة كتمر وتمرة وكون السحاب ثقالا باعتبار حمله ثقل الماء ، وقوله « لِبَلَدٍ مَيِّتٍ » أي لأجل بلد ميت أو إلى بلد ميت والباقي ظاهر.
والآية تحتج بإحياء الأرض على جواز إحياء الموتى لأنهما من نوع واحد ، وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد وليس الأحياء الذين عرض لهم عارض الموت