هي لعب ، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون.
هذا كله على تقدير كون المشار إليه بقوله : « ذلِكُمْ » هو إيفاء الكيل وما بعده كما هو ظاهر السياق ، وأما أخذ الإشارة إلى جميع ما تقدم وجعل المراد بالإيمان هو الإيمان المصطلح دون الإيمان اللغوي كما احتمله بعضهم فهو أشبه باشتراط الشيء بنفسه لرجوع المعنى إلى نحو قولنا إن كنتم مؤمنين فالعبادة لله وحده بالإيمان به وإيفاء الكيل والميزان وعدم الفساد في الأرض خير لكم.
ويرد على الوجهين الأخيرين جميعا أن ظاهر قوله « إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » ثبوت اتصافهم بالإيمان قبل حال الخطاب فإنه مقتضى تعليق الحكم بقوله : « كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » المؤلف من ماضي الكون الناقص واسم الفاعل من الإيمان ، المقتضي لاستقرار الصفة فيهم زمانا ، ولا يخاطب بمثل هذا المعنى القوم الذين فيهم الكافر والمؤمن والمستكبر والمنقاد ولو كان كما يقولون لكان من حق الكلام أن يقال : ذلكم خير لكم إن آمنتم أو أن تؤمنوا فالظاهر أنه لا محيص من كون المراد بالإيمان غير الإيمان المصطلح.
قوله تعالى : « وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً » الآية ظاهر السياق أن « تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ » حالان من فاعل « لا تَقْعُدُوا » وقوله « وَتَبْغُونَها » حال من فاعل « تَصُدُّونَ ».
ثم دعاهم ثالثا إلى ترك التعرض لصراط الله المستقيم الذي هو الدين فإن في الكلام تلويحا إلى أنهم كانوا يقعدون على طريق المؤمنين بشعيب عليهالسلام ويوعدونهم على إيمانهم به والحضور عنده والاستماع منه وإجراء العبادات الدينية معه ، ويصرفونهم عن التدين بدين الحق والسلوك في طريقة التوحيد وهم يسلكون طريق الشرك ، ويطلبون سبيل الله الذي هو دين الفطرة عوجا.
وبالجملة كانوا يقطعون الطريق على الإيمان بكل ما يستطيعون من قوة واحتيال فنهاهم عن ذلك ، ووصاهم أن يذكروا نعمة الله عليهم ويعتبروا بالنظر إلى ما يعلمونه من تاريخ الأمم الغابرة ، وما آل إليه أمر المفسدين من عاقبة السوء.
فقوله : « وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ، وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ » كلام مسوق سوق العظة والتوصية وهو يقبل التعلق بجميع ما تقدم من الأوامر والنواهي