الواحد نصف الاثنين والأربعة زوج وأمثال ذلك.
فالإنسان هو الذي يوجد هذه الأفكار والأوهام في نفسه كما أن الشيطان هو الذي يلقيها إليه ويخطرها بباله من غير تزاحم ، ولو كان تسببه فيها نظير التسببات الدائرة فيما بيننا لمن ألقى إلينا خبرا أو حكما أو ما يشبه ذلك لكان إلقاؤه إلينا لا يجامع استقلالنا في التفكير ، ولانتفت نسبة الفعل الاختياري إلينا لكون العلم والترجيح والإرادة له لا لنا ، ولم يترتب على الفعل لوم ولا ذم ولا غيره ، وقد نسبه الشيطان نفسه إلى الإنسان فيما حكاه الله من قوله يوم القيامة : « وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » : إبراهيم : ٢٢ ، فنسب الفعل والظلم واللوم إليهم وسلبها عن نفسه ، ونفى عن نفسه كل سلطان إلا السلطان على الدعوة والوعد الكاذب كما قال تعالى : « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ » : الحجر : ٤٢ فنفى سبحانه سلطانه إلا في ظرف الاتباع ونظيره قوله تعالى : « قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ » : ق : ٢٧.
وبالجملة فإن تصرفه في إدراك الإنسان تصرف طولي لا ينافي قيامه بالإنسان وانتسابه إليه انتساب الفعل إلى فاعله لا عرضي ينافي ذلك.
فله أن يتصرف في الإدراك الإنساني بما يتعلق بالحياة الدنيا في جميع جهاتها بالغرور والتزيين فيضع الباطل مكان الحق ويظهره في صورته فلا يرتبط الإنسان بشيء إلا من وجهه الباطل الذي يغره ويصرفه عن الحق ، وهذا هو الاستقلال الذي يراه الإنسان لنفسه أولا ثم لسائر الأسباب التي يرتبط بها في حياته فيحجبه ذلك عن الحق ويلهوه عن الحياة الحقيقية كما تقدم استفادة ذلك من قوله المحكي : « فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ » : الأعراف : ١٦ ، وقوله : « رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ » : الحجر : ٣٩.
ويؤدي ذلك إلى الغفلة عن مقام الحق ، وهو الأصل الذي ينتهي ويحلل إليه كل ذنب قال تعالى : « وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها