وغيره مما حكته الآيات نظير ما يأتي به أعوان الملائكة العظام من الأعمال فتنسب إلى رئيسهم المستعمل لهم في ما يريده ، قال تعالى في ملك الموت : « قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ » : السجدة : ١١ ، ثم قال : « حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ » : الأنعام ٦١ إلى غير ذلك.
وتدل الآية : « الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ » : الناس : ٦ على أن في جنده اختلافا من حيث كون بعضهم من الجنة وبعضهم من الإنس ويدل قوله : « أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ » : الكهف : ٥٠ ، أن له ذرية هم من أعوانه وجنوده لكن لم يفصل كيفية انتشاء ذريته منه.
كما أن هناك نوعا آخر من الاختلاف يدل عليه قوله : « وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ » في الآية المتقدمة ، وهو الاختلاف من جهة الشدة والضعف وسرعة العمل وبطئه فإن الفارق بين الخيل والرجل هو السرعة في اللحوق والإدراك وعدمها.
وهناك نوع آخر من الاختلاف في العمل ، وهو الاجتماع عليه والانفراد كما يدل عليه أيضا قوله تعالى : « وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ » : المؤمنون : ٩٨ ، ولعل قوله تعالى : « هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ » : الشعراء : ٢٢٣ من هذا الباب.
فملخص البحث : أن إبليس لعنه الله موجود مخلوق ذو شعور وإرادة يدعو إلى الشر ويسوق إلى المعصية كان في مرتبة مشتركة مع الملائكة غير متميز منهم إلا بعد خلق الإنسان وحينئذ تميز منهم ووقع في جانب الشر والفساد ، وإليه يستند نوعا من الاستناد انحراف الإنسان عن الصراط المستقيم وميله إلى جانب الشقاء والضلال ، ووقوعه في المعصية والباطل كما أن الملك موجود مخلوق ذو إدراك وإرادة إليه يستند نوعا من الاستناد اهتداء الإنسان إلى غاية السعادة ومنزل الكمال والقرب ، وأن لإبليس أعوانا من الجن والإنس وذرية مختلفي الأنواع يجرون بأمره إياهم أن يتصرفوا في جميع ما يرتبط به الإنسان من الدنيا وما فيها بإظهار الباطل في صورة الحق ، وتزيين القبيح في صورة الحسن الجميل.