استيفاؤه من البحث في أول سورة حم عسق إن شاء الله تعالى عن الحروف المقطعة القرآنية.
والسورة كأنها تجعل العهد الإلهي المأخوذ من الإنسان على أن يعبد الله ولا يشرك به شيئا أصلا يبحث عما آل إليه أمره بحسب مسير الإنسانية في الأمم والأجيال فأكثرهم نقضوه ونسوه ثم إذا جاءتهم آيات مذكرة لهم أو أنبياء يدعونهم إليه كذبوا وظلموا بها ولم يتذكر بها إلا الأقلون.
وذلك أن العهد الإلهي الذي هو إجمال ما تتضمنه الدعوة الدينية الإلهية إذا نزل بالإنسان ـ وطبائع الناس مختلفة في استعداد القبول والرد ـ تحول لا محالة بحسب أماكن نزوله والأوضاع والأحوال والشرائط الحافة بنفوس الناس فأنتج في بعض النفوس ـ وهي النفوس الطاهرة الباقية على أصل الفطرة ـ الاهتداء إلى الإيمان بالله وآياته ، وفي آخرين وهم الأكثرون ذوو النفوس المخلدة إلى الأرض المستغرقة في شهوات الدنيا خلاف ذلك من الكفر والعتو.
واستتبع ذلك ألطافا إلهية خاصة بالمؤمنين من توفيق ونصر وفتح في الدنيا ، ونجاة من النار وفوز بالجنة وأنواع نعيمها الخالد في الآخرة ، وغضبا ولعنا نازلا على الكافرين وعذابا واقعا يهلك جمعهم ، ويقطع نسلهم ، ويخمد نارهم ، ويجعلهم أحاديث ويمزقهم كل ممزق ، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون.
فهذه هي سنة الله التي قد خلت في عباده وعلى ذلك ستجري ، والله يحكم لا معقب لحكمه وهو على صراط مستقيم.
فتفاصيل هذه السنة إذا وصفت لقوم ليدعوهم ذلك إلى الإيمان بالله وآياته كان ذلك إنذارا لهم ، وإذا وصفت لقوم مؤمنين ولهم علم بربهم في الجملة ومعرفة بمقامه الربوبي كان ذلك تذكيرا لهم بآيات الله وتعليما بما يلزمه من المعارف وهي معرفة الله ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا وسنته الجارية في الآخرة والأولى وهذا هو الذي يلوح من قوله تعالى في الآية الثانية من السورة : « لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ » أن غرضها هو الإنذار والذكرى.
والسورة على أنها مكية ـ إلا آيات اختلف فيها ـ وجه الكلام فيها بحسب