بالتوفيق ـ فجاءه إبليس فقال له : إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة ـ التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنة أبدا ، وإن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة ، وحلف لهما أنه لهما ناصح ـ كما قال الله عز وجل حكاية عنه : « ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ ـ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ، وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ » فقبل آدم قوله فأكلا من الشجرة فكان كما حكى الله : « بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما » وسقط عنهما ما ألبسهما الله تعالى من لباس الجنة ، وأقبلا يستتران من ورق الجنة ـ ، وناداهما ربهما « أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ـ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ » ـ فقالا كما حكى الله عنها : « رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ـ وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ » فقال الله لهما : « اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ـ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ » قال : إلى يوم القيامة.
وفي الكافي ، عن علي بن إبراهيم روي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لما خرج آدم من الجنة نزل عليه جبرئيل فقال : يا آدم أليس خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وزوجك حواء أمته ، وأسكنك الجنة وأباحها لك ونهاك مشافهة ـ أن تأكل من هذه الشجرة ـ فأكلت منها وعصيت الله؟ فقال آدم : يا جبرئيل ـ إن إبليس حلف لي بالله أنه لي ناصح ـ فما ظننت أن أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا.
أقول : وقد تقدمت عدة من روايات القصة في سورة البقرة وسيأتي إن شاء الله بعضها في مواضع أخر مناسبة لها.
وفي تفسير القمي ، عن الصادق عليهالسلام في حديث : فقال إبليس : يا رب فكيف وأنت العدل الذي لا يجور ـ فثواب عملي بطل؟ قال : لا ، ولكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ـ ثوابا لعملك أعطك. فأول ما سأل : البقاء إلى يوم الدين ـ فقال الله : وقد أعطيتك. قال : سلطني على ولد آدم. قال : سلطتك. قال : أجرني فيهم مجرى الدم في العروق. قال : قد أجريتك. قال : لا يولد لهم ولد إلا ولد لي اثنان ـ وأراهم ولا يروني وأتصور لهم في كل صورة شئت. فقال : قد أعطيتك. قال : يا رب زدني.
قال : قد جعلت لك ولذريتك صدورهم أوطانا. قال : رب حسبي.
قال إبليس عند ذلك: « فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ».
أقول : تقدم ما يتضح به معنى الحديث ، وقوله : « أتصور لهم في كل صورة