وقوله : « لِتُنْذِرَ بِهِ » غاية للإنزال متعلقة به كقوله : « وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ » وتخصيص الذكرى بالمؤمنين دليل على أن الإنذار يعمهم وغيرهم ، فالمعنى : أنزل إليك الكتاب لتنذر به الناس وهو ذكرى للمؤمنين خاصة لأنهم يتذكرون بالآيات والمعارف الإلهية المذكورة فيها مقام ربهم فيزيد بذلك إيمانهم وتقر بها أعينهم ، وأما عامة الناس فإن هذا الكتاب يؤثر فيهم أثر الإنذار بما يشتمل عليه من ذكر سخط الله وعقابه للظالمين في الدار الآخرة ، وفي الدنيا بعذاب الاستئصال كما تشرحه قصص الأمم السالفة.
ومن هنا يظهر : أن قول بعضهم : إن قوله : « لِتُنْذِرَ بِهِ » متعلق بالحرج والمعنى : لا يكن في صدرك حرج للإنذار به ، ليس بمستقيم فإن تعقبه بقوله : « وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ » بما عرفت من معناه يدفع ذلك.
ويظهر أيضا ما في ظاهر قول بعضهم : إن المراد بالمؤمنين كل من كان مؤمنا بالفعل عند النزول ومن كان في علم الله أنه سيؤمن منهم! فإن الذكرى المذكور في الآية لا يتحقق إلا فيمن كان مؤمنا بالفعل.
قوله تعالى : « اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ » لما ذكر لنبيه صلىاللهعليهوآله أنه كتاب أنزل إليه لغرض الإنذار شرع في الإنذار ورجع من خطابه صلىاللهعليهوآله إلى خطابهم فإن الإنذار من شأنه أن يكون بمخاطبة المنذرين ـ اسم مفعول ـ وقد حصل الغرض من خطاب النبي صلىاللهعليهوآله.
وخاطبهم بالأمر باتباع ما أنزل إليهم من ربهم ، وهو القرآن الآمر لهم بحق الاعتقاد وحق العمل أعني الإيمان بالله وآياته والعمل الصالح الذين يأمر بهما الله سبحانه في كتابه وينهى عن خلافهما ، والجملة أعني قوله : « اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ » موضوعة وضع الكناية كنى بها عن الدخول تحت ولاية الله سبحانه والدليل عليه قوله « وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ » حيث لم يقل في مقام المقابلة : ولا تتبعوا غير ما أنزل إليكم.
والمعنى : ولا تتبعوا غيره تعالى ـ وهم كثيرون ـ فيكونوا لكم أولياء من دون الله قليلا ما تذكرون ، ولو تذكرتم لدريتم أن الله تعالى هو ربكم لا رب لكم سواه فليس لكم من دونه أولياء.