الأديان وعلم الأبدان! فقال له علي : قد جمع الله الطب كله في نصف آية ـ وهو قوله : « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا » وجمع نبينا الطب في قوله : « المعدة بيت الداء ، والحمية رأس كل دواء ، وأعط كل بدن ما عودته » فقال الطبيب : ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا.
قوله تعالى : « قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ » لا ريب أن الخطاب في صدر الآية إما لخصوص الكفار أو يعمهم والمؤمنين جميعا كما يعمهم جميعا ما في الآية السابقة من الخطاب بقوله : « يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا » ولازمه أن تكون الزينة وطيبات الرزق موضوعة على الشركة بين الناس جميعا ، مؤمنهم وكافرهم.
فقوله : « قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » إلخ ، مسوق لبيان ما خص الله سبحانه به المؤمنين من عباده من الكرامة والمزية ، وإذ قد اشتركوا في نعمه في الدنيا فهي خالصة لهم في الآخرة ، ولازم ذلك أن يكون قوله : « فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » متعلقا بقوله : « آمَنُوا » وقوله : « يَوْمَ الْقِيامَةِ » متعلقا بما تعلق به قوله : « لِلَّذِينَ آمَنُوا » وهو قولنا كائنة أو ما يقرب منه ، و « خالِصَةً » حال عن الضمير المؤنث وقدمت على قوله : « يَوْمَ الْقِيامَةِ » لتكون فاصلة بين قوليه : « فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » و « يَوْمَ الْقِيامَةِ » والمعنى : قل هي للمؤمنين يوم القيامة وهي خالصة لهم لا يشاركهم فيها غيرهم كما شاركوهم في الدنيا فمن آمن في الدنيا ملك نعمها يوم القيامة.
وبهذا البيان يظهر ما في قول بعضهم : إن المراد بالخلوص إنما هو الخلوص من الهموم والمنغصات والمعنى : هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا غير خالصة من الهموم والأحزان والمشقة ، وهي خالصة يوم القيامة من ذلك.
وذلك أنه ليس في سياق الآية ولا في سياق ما تقدمها من الآيات إشعار باحتفاف النعم الدنيوية بما ينغص عيش المتنعمين بها ويكدرها عليهم حتى يكون قرينة على إرادة ما ذكره من معنى الخلوص.
وكذا ما في قول بعض آخر : إن قوله : « فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » متعلق بما تعلق به قوله « لِلَّذِينَ آمَنُوا » والمعنى : هي ثابتة للذين آمنوا بالأصالة والاستحقاق في الحياة