أن الدين الحق فطري للإنسان فكما أن للبنية الإنسانية التي سويت على الخلقة الأصلية قبل أن يلحق بها أحوال منافية وآثار مغايرة للتسوية الأولية استقامة طبيعية تجري عليها في أطوار الحياة كذلك لها بحسب الخلقة الأصلية عقائد حقة في المبدإ والمعاد وما يتفرع عليهما من أصول المعارف ، وأخلاق فاضلة زاكية تلائمها ويترتب عليها من الأحوال والأعمال ما يناسبها.
فللإنسان صحة واستقامة روحية معنوية كما أن له صحة واستقامة جسمية صورية ، وله أمراض وأدواء روحية باختلال أمر الصحة الروحية كما أن له أمراضا وأدواء جسمية باختلال أمر الصحة الجسمية ولكل داء دواء ولكل مرض شفاء.
وقد ذكر الله سبحانه في أناس من المؤمنين أن في قلوبهم مرضا وهو غير الكفر والنفاق الصريحين كما يدل عليه قوله : « لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ » الأحزاب : ٦٠ وقوله : « وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً » المدثر : ٣١.
وليس هذا المسمى مرضا إلا ما يختل به ثبات القلب واستقامة النفس من أنواع الشك والريب الموجبة لاضطراب الباطن وتزلزل السر والميل إلى الباطل واتباع الهوى مما يجامع إيمان عامة المؤمنين من أهل أدنى مراتب الإيمان ومما هو معدود نقصا وشركا بالإضافة إلى مراتب الإيمان العالية ، وقد قال تعالى : « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ » يوسف : ١٠٦ وقال : « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » النساء : ٦٥.
والقرآن الكريم يزيل بحججه القاطعة وبراهينه الساطعة أنواع الشكوك والشبهات المعترضة في طريق العقائد الحقة والمعارف الحقيقية ويدفع بمواعظه الشافية وما فيه من القصص والعبر والأمثال والوعد والوعيد والإنذار والتبشير والأحكام والشرائع عاهات الأفئدة وآفاتها فالقرآن شفاء للمؤمنين.
وأما كونه رحمة للمؤمنين ـ والرحمة إفاضة ما يتم به النقص ويرتفع به الحاجة ـ فلأن القرآن ينور القلوب بنور العلم واليقين بعد ما يزيل عنها ظلمات الجهل والعمى والشك والريب ويحليها بالملكات الفاضلة والحالات الشريفة الزاكية بعد ما يغسل عنها أوساخ