ويقرب حينئذ أن يحدس أن ذا القرنين هذا هو أحد الملوك العظام الذين سدوا الطريق على هذه الأمم المفسدة في الأرض ، وأن السد المنسوب إليه يجب أن يكون فاصلا بين منطقة شمالية من قارة آسيا وجنوبها كحائط الصين أو سد باب الأبواب أو سد « داريال » أو غير هذه.
وقد تسلمت تواريخ الأمم اليوم من أن ناحية الشمال الشرقي من آسيا وهي الأحداب والمرتفعات في شمال الصين كانت موطنا لأمة كبيرة بدوية همجية لم تزل تزداد عددا وتكثر سوادا فتكر على الأمم المجاورة لها كالصين وربما نسلت من أحدابها وهبطت إلى بلاد آسيا الوسطى والدنيا وبلغت إلى شمال أوربة فمنهم من قطن في أراض أغار عليها كأغلب سكنة أوربة الشمالية فتمدين بها واشتغل بالزراعة والصناعة ، ومنهم من رجع ثم عاد وعاد (١).
وهذا أيضا مما يؤيد ما استقربناه آنفا أن السد الذي نبحث عنه هو أحد الأسداد الموجودة في شمال آسيا الفاصلة بين الشمال وجنوبه.
٣ ـ من هو ذو القرنين؟ وأين سدة؟
للمؤرخين وأرباب التفسير في ذلك أقوال بحسب اختلاف أنظارهم في تطبيق القصة :
أ ـ ينسب إلى بعضهم أن السد المذكور في القرآن هو حائط الصين ، وهو حائط طويل يحول بين الصين وبين منغوليا بناه « شين هوانك تى » أحد ملوك الصين لصد هجمات المغول عن الصين ، طوله ثلاثة آلاف كيلو متر في عرض تسعة أمتار وارتفاع خمسة عشر مترا وقد بنى بالأحجار شرع في بنائه سنة ٢٦٤ ق م وقد تم بناؤه في عشر أو عشرين وعلى هذا فذو القرنين هو الملك المذكور.
ويدفعه أن الأوصاف والمشخصات المذكورة في القرآن لذي القرنين وسدة لا تنطبق على هذا الملك وحائط الصين الكبير فلم يذكر من هذا الملك أنه سار من أرضه إلى المغرب
__________________
(١) وذكر بعضهم أن يأجوج ومأجوج هم الأمم الذين كانوا يشغلون الجزء الشمالي من آسيا تمتد بلادهم من التبت والصين إلى المحيط المنجمد الشمالي وتنتهي غربا بما يلي بلاد تركستان ونقل ذلك عن فاكهة الخلفاء وتهذيب الأخلاق لابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.